قال أبو محمد : هذا كل ما احتجوا به ما يعلم لهم حجة غير هذا أصلا ، وكله لا حجة لهم فيه البتة.
أما قول نوح عليهالسلام ، فلم يقل ذلك على كل كافر ، بل قال ذلك على كفار قومه خاصة ، لأن الله تعالى قال له : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) [سورة هود آية رقم ٣٦].
فأيقن نوح عليهالسلام بهذا الوحي أنه لا يحدث فيهم مؤمن أبدا وأن كل من ولدوه إن ولدوه لم يكن إلا كافرا ولا بد.
وهذا هو نص الآية لأنه تعالى حكى عنه أنه قال :
(رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) [سورة نوح آية رقم ٢٦].
وإنما أراد كفار وقته الذين كانوا على الأرض حينئذ فقط ، ولو كان للأزارقة أدنى علم لعلموا أن هذا من كلام نوح عليهالسلام ليس على كل كافر ، لكن على قوم نوح خاصة ، لأن إبراهيم ومحمدا صلى الله عليهما وسلم كانا أبواهما كافرين مشركين ، وقد ولدا خير الإنس والجن من المؤمنين ، وأكمل الناس إيمانا ، ولكن الأزارقة كانوا أعرابا جهالا كالأنعام ، بل هم أضل سبيلا.
وهكذا صح عن النبي صلىاللهعليهوسلم من طريق الأسود بن سريع التميمي أنه عليهالسلام قال : «أو ليس خياركم أولاد المشركين». (١)
قال أبو محمد : وهل كان أفاضل الصحابة رضي الله عنهم الذين يتولاهم الأزارقة كابن أبي قحافة (٢) وعمر بن الخطاب وخديجة أم المؤمنين وغيرهم رضي الله عنهم إلا أولاد الكفار فهل ولد آباؤهم كفارا؟ وهل ولدوا إلا أهل الإيمان الصريح؟ ثم آباء الأزارقة أنفسهم كوالد نافع بن الأزرق وغيرهم من شيوخهم هل كانوا إلا أولاد المشركين؟ ولكن من يضلل الله فلا هادي له.
__________________
(١) رواه الإمام أحمد في المسند (٤ / ٢٤) عن الأسود بن سريع ـ وكان رجلا من بني سعد ـ قال : غزوت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أربع غزوات ، قال : فتناول قوم الذرية بعد ما قتلوا المقاتلة ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «ألا ما بال أقوام قتلوا المقاتلة حتى تناولوا الذرية» قال : فقال رجل : يا رسول الله أو ليس أبناء المشركين؟ قال : فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ خياركم أبناء المشركين ، إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة ، فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهوّدانها أو ينصّرانها».
(٢) هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه.