وهذا تفسير الآيات المذكورات.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق بن السكن ، حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي ، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : سمعت حماد بن سلمة يفسر حديث كل مولود يولد على الفطرة ، فقال : هذا عندنا حيث أخذ الله العهد عليهم في أصلاب آبائهم ، حيث قال : ألست بربكم؟ قالوا : بلى.
وقد صح أيضا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من طريق عياض بن حمار المجاشعي قال عن الله تعالى أنه قال : «خلقت عبادي حنفاء كلهم فاجتالتهم (١) الشياطين عن دينهم» (٢).
فصح يقينا أنه كل من مات قبل أن تجتاله الشياطين عن دينه فقد مات حنيفا ، وهذا حديث تدخل فيه الملائكة والجن والإنس بقوله خلقت عبادي حنفاء كلهم لأن الملائكة والجن والإنس عباد له عزوجل مخلوقون.
وأيضا فإن الله عزوجل أخبر بقول إبليس له تعالى أنه يغوي الناس فقال تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [سورة الحجر آية رقم ٤٢].
فصح يقينا أن الغواية داخلة على الإيمان ، وأن الأصل من كل واحد فهو الإيمان وكل مؤمن ففي الجنة ، وأيضا فإن الله تعالى قال : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [سورة الليل آية رقم ١٤ و ١٥ و ١٦] وليست هذه صفة الصبيان. فصح أنهم لا يدخلون النار ، ولا دار إلا الجنة أو النار ، فإذا لم يدخلوا النار فهم بلا شك في الجنة.
وقد صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الرؤيا الكبيرة التي رآها أنه رأى إبراهيم عليهالسلام في روضة خضراء مفتحة فيها من كل نور نعيم ، وحواليه من أحسن صبيان وأكثرهم ، فسأل عليهالسلام عنهم فأخبر أنهم من مات من أولاد الناس قبل أن يبلغوا ،
__________________
(١) اجتالتهم : أي ذهبوا بهم وأزالوهم عما كانوا عليه وجالوا معهم في الباطل.
(٢) جزء من حديث طويل رواه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها (حديث رقم ٦٣) أوله : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال ذات يوم في خطبته : ألا إنّ ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا ، كلّ مال نحلته عبدا حلال ، وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ...».