أخبر عليهالسلام أن النار اشتكت إلى ربّها فأذن لها بنفسين وأنّ ذلك أشدّ ما نجده من الحرّ والبرد (١).
وكان القاضي منذر بن سعيد يذهب إلى أن الجنة والنار مخلوقتان إلا أنه كان يقول : إنها ليست التي كان فيها آدم عليهالسلام وامرأته واحتج في ذلك بأشياء منها أنها لو كانت جنة الخلد لما أكل من الشجرة رجاء أن يكون من الخالدين ، واحتج أيضا بأن جنة الخلد لا كذب فيها ، وقد كذب فيها إبليس ، وقال من دخل الجنة لم يخرج منها ، وآدم وامرأته عليهماالسلام قد خرجا منها.
قال أبو محمد : كل هذا لا دليل له فيه. أما قوله : إن آدم عليهالسلام أكل من الشجرة رجاء أن يكون من الخالدين فقد علمنا أن أكله من الشجرة لم يكن ظنه فيه صوابا ، ولا أكله لها صوابا ، وإنما كان ظنا ولا حجة فيما كان هذه صفته ، والله عزوجل لم يخبره بأنه مخلد في الجنة ، بل قد كان في علم الله تعالى أنه سيخرجه منها ، فأكل عليهالسلام من الشجرة رجاء الخلد الذي لم يضمن له ، ولا تيقن به لنفسه.
وأما قوله : إن الجنة لا كذب فها وأن من دخلها لم يخرج منها وقد كذب فيها إبليس ، وقد خرج منها آدم وامرأته ، فهذا لا حجة له فيه وإنما تكون كذلك إذا كانت جزاء لأهلها كما أخبر عزوجل عنها حيث يقول : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) [سورة الغاشية آية رقم ٢١].
فإنما هذا على المستأنف لا على ما سلف ، ولا نص معه على ما ادعى ولا إجماع واحتج أيضا بقول الله عزوجل لآدم عليهالسلام (أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) [سورة طه آية رقم ١١٨].
قال : وقد عري فيها آدم عليهالسلام.
قال أبو محمد : وهذا لا حجة له فيه ، بل هو حجة عليه لأن الله عزوجل وصف الجنة التي أسكن فيها آدم عليهالسلام بأنها لا يجاع فيها ولا يعرى ، ولا يظمأ فيها ولا يضحى ، وهذه صفة الجنة بلا شك ، وليس في شيء مما دون السماء مكان هذه صفته بلا شك ، بل كلّ موضع دون السماء فإنه لا بد وأن يجاع فيه ويعرى ،
__________________
(١) رواه البخاري في المواقيت باب ٩ ، وبدء الخلق باب ١٠. ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث ١٨٥ ـ ١٨٧. والترمذي في صفة جهنم باب ٩. وابن ماجة في الزهد باب ٣٨. والدارمي في الرقاق باب ١١٩.