فذهبت المجسمة إلى ما ذكرنا مما قد سلف من بطلان قولهم فيه.
وذهبت المعتزلة : إلى أن «اليد» : النعمة. وهذا أيضا لا معنى له ، لأنها دعوى بلا برهان.
وقال الأشعري : إنّ المراد بقول الله تعالى : «أيدينا» إنما معناه «اليدان» وأن ذكر «الأعين» ، إنما معناه «عينان». وهذا باطل مدخل في قول المجسمة. بل نقول :
إنّ هذا إخبار عن الله عزوجل ، لا يرجع من ذكر اليد إلى شيء سواه تعالى. ونقرّ أن لله تعالى ـ كما قال ـ يدا ، ويدين ، وأيد ، وعينا ، وأعينا كما قال عزوجل : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [سورة طه : ٣٩].
وقال تعالى : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) [سورة الطور : ٤٨].
ولا يجوز لأحد أن يصف الله تعالى بأنّ له عينين لأن النصّ لم يأت بذلك ونقول : إنّ المراد بما ذكرنا الله عزوجل لا شيء غيره.
وقال تعالى حاكيا عن قول قائل : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [سورة الزمر : ٥٦].
وهذا معناه فيما يقصد به الله عزوجل وفي جانب عبادته. وصحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وكلتا يديه يمين» (١) و «عن يمين الرحمن» (٢).
فهو مثل قوله : (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [سورة النساء : ٣٩]. يريد «وما ملكتم».
ولما كانت اليمين في لغة العرب : يراد بها الحظ للأفضل كما قال الشّماخ :
إذا ما راية رفعت لمجد |
|
تلقّاها عرابة باليمين (٣) |
يريد أنه يتلقاها بالسعي الأعلى ، كان قوله : «وكلتا يديه يمين» أي كل ما يكون منه تعالى من الفضل فهو الأعلى.
وكذلك صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّ جهنم لا تمتلئ حتى يضع فيها قدمه» (٤)
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الإمارة (حديث ١٨) عن عبد الله بن عمرو عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم بلفظ : «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عزوجل ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا».
(٢) تقدم تخريجه في الحاشية السابقة.
(٣) البيت في ديوان الشماخ (ص ٣٣٦) ولسان العرب (١ / ٥٩٣ ـ مادة عرب) و (١٣ / ٤٦١ ـ مادة يمن) وتهذيب اللغة (٨ / ٦٢١ ، ١٥ / ٥٢٣) وجمهرة اللغة (ص ٣١٩ و ٩٩٤) وتاج العروس (٣ / ٣٥٢ ـ مادة عرب) ومقاييس اللغة (٦ / ١٥٨).
(٤) جزء من حديث روي مطولا ومختصرا. رواه البخاري في تفسير سورة ٥٠ باب ١ ، والأيمان