وصح أيضا في الحديث : «حتى يضع فيها رجله».
ومعنى هذا ما قد بينه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حديث آخر صحيح أخبر فيه أن الله تعالى بعد يوم القيامة يخلق خلقا يدخلهم الجنة ، وأنه تعالى يقول للجنّة والنار : لكل واحدة منكما ملؤها (١).
فمعنى القدم في الحديث المذكور : إنما هو كما قال تعالى : (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [سورة يونس : ٢].
يريد سالف صدق ، فمعناه الأمة التي تقدم في علمه تعالى أنه يملأ بها جهنم ، ومعنى «رجله» مثل ذلك ، لأن «الرجل» : الجماعة في اللغة أي يضع فيها الجماعة التي سبق في علمه أنه يملأ جهنم بها.
وكذلك الحديث الصحيح أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الله تعالى» (٢).
أي بين تدبيرين ونعمتين من تدبير الله عزوجل ونعمه ، إمّا كفاية تسرّه ، وإمّا بلاء يأجره عليه. والإصبع في اللغة : النعمة. وقلب كل أحد بين توفيق الله وجلاله ، وكلاهما حكمة. وأخبر عليهالسلام : «إنّ الله تعالى يبدو للمؤمنين يوم القيامة في غير الصورة التي عرفوه عليها» (٣).
__________________
باب ١٢ ، والتوحيد باب ٧ ، ٢٥. ومسلم في صفة الجنة حديث ٣٥ و ٣٧ و ٣٨. والترمذي في صفة الجنة باب ٢٠ ، وتفسير سورة ٥٠. وأحمد في المسند (٢ / ٣٦٩ ، ٥٠٧ ، ٣ / ١٣). ولفظه مختصرا كما في صحيح البخاري (كتاب تفسير القرآن ، سورة ق ، باب ١ ، حديث ٤٨٤٨) عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يلقى في النار وتقول : هل من مزيد؟ حتى يضع قدمه فتقول : قط قط». وعن أبي هريرة (حديث رقم ٤٨٤٩) : «يقال لجهنم : هل امتلأت؟ وتقول : هل من مزيد؟ فيضع الربّ تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول : قط قط».
(١) رواه البخاري في تفسير سورة ق (حديث رقم ٤٨٥٠) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «تحاجّت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين. وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم؟ قال الله تبارك وتعالى للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنار : إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي. ولكل واحد منهما ملؤها ، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول : قط قط! فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله عزوجل من خلقه أحدا. وأما الجنة فإن الله عزوجل ينشئ لها خلقا».
(٢) تقدم تخريجه في الجزء الأول. راجع الفهارس العامة.
(٣) جزء من حديث طويل رواه البخاري في صحيحه (كتاب الرقاق ، باب ٥٢ ، حديث رقم ٦٥٧٣) عن أبي هريرة.