وهذا ظاهر بيّن ، وهو أنّهم يرون صورة الحال من الهول والمخافة غير الذي كانوا يظنون في الدنيا.
وبرهان صحة هذا القول : قوله عليهالسلام في الحديث المذكور : «غير الذي عرفتموه بها». وبالضرورة نعلم أننا لا نعلم لله عزوجل في الدنيا صورة أصلا فصحّ ما ذكرنا يقينا. وكذلك القول في الحديث الثابت : «خلق الله آدم على صورته» (١) فهذه إضافة ملك ، يريد الصورة التي تخيرها الله عزوجل ليكون آدم مصورا عليها. وكلّ فاضل في طبقته ، فإنه ينسب إلى الله عزوجل ، ويضاف إليه ، كما نقول بيت الله عزوجل عن الكعبة ، والبيوت كلها بيوت الله ولكن لا يطلق على شيء منها هذا الاسم ، كما يطلق على المسجد الحرام ، وكما نقول في جبريل وعيسى عليهماالسلام «روح الله» والأرواح كلها لله تعالى ، ملك له ، وكما نقول في ناقة صالح عليهالسلام : «ناقة الله». والنوق كلّها لله تعالى. فعلى هذا المعنى قيل : على صوة الرحمن. والصور كلها لله ، وهي ملك له ، وخلق له. وقد رأيت لابن فورك ، وغيره من الأشعرية في الكلام في هذا الحديث أنهم قالوا في معنى قوله عليهالسلام : «إنّ الله خلق آدم على صورته» إنما هو على صفة الرحمن من الحياة والعلم والاقتدار واجتماع صفات الكمال فيه ، وأسجد له ملائكته كما أسجدهم لنفسه ، وجعل له الأمر والنهي على ذرّيته كما كان لله ذلك.
قال أبو محمد : هذا نص كلام أبي جعفر السمناني قاضي الموصل الضرير عن شيوخه حرفا حرفا ، وهذا كفر مجرد لا مرية فيه ، لأنّه سوّى بين الله عزوجل وبين آدم في الحياة ، والعلم ، والاقتدار ، واجتماع صفات الكمال فيهما والله يقول : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١]. ثم لم يقنعوا بهذا حتى جعلوا سجود الملائكة لآدم كسجودهم لله تعالى. ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام ، في أنّ سجودهم لله تعالى سجود عبادة ، ولآدم سجود تحية وإكرام.
ومن قال : إن الملائكة عبدت آدم كما عبدت الله عزوجل فقد أشرك ، ثم زاد في الأمر والنهي لآدم على ذريته كما هو لله عزوجل ، وهذا شرك لا خفاء به. ولو أردنا أن نعرف ما هي صفات الكمال التي ذكر هذا الإنسان أنها اجتمعت في آدم
__________________
(١) رواه من حديث أبي هريرة : البخاري في الاستئذان باب ١ ، ومسلم في البر والصلة والآداب (حديث ١١٥) والجنة وصفة نعيمها وأهلها (حديث ٢٨) ، وأحمد في المسند (٢ / ٢٤٤ ، ٢٥١ ، ٣١٥ ، ٣٢٣ ، ٤٣٤ ، ٤٦٣ ، ٥١٩).