ابن صفوان وجماعة من الأزارقة. وقالت الأخرى إن الاستطاعة التي بها يكون الفعل هي قبل الفعل موجودة في الإنسان وهو قول المعتزلة وطوائف من المرجئة كمحمد بن شبيب (١) ويونس بن عون (٢) وصالح قبة (٣) والناشئ (٤) وجماعة من الخوارج والشيعة. ثم افترق هؤلاء على فرق فقالت طائفة : إن الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل أيضا للفعل ولتركه وهو قول بشر بن المعتمر البغدادي ، وضرار بن عمرو الكوفي ، وعبد الله بن غطفان ، ومعمر بن عمرو العطار البصري (٥) ، وغيرهم من المعتزلة ، وقال أبو الهذيل محمد بن الهذيل العبدي البصري العلاف لا تكون الاستطاعة مع الفعل البتة ولا تكون قبله ولا بد وتفنى مع أول وجود الفعل. وقال أبو إسحاق إبراهيم بن سيار النظام وعلي الأسواري وأبو بكر بن عبد الرحمن بن كيسان الأصم : ليست الاستطاعة شيئا غير نفس المستطيع ، وكذلك أيضا قالوا في العجز إنه ليس شيئا غير العاجز ، إلا النظام فإنه قال هو آفة دخلت على المستطيع.
قال أبو محمد : فأما من قال بالإجبار فإنهم احتجوا فقالوا لما كان الله تعالى فعّالا ، وكان لا يشبهه شيء من خلقه وجب أن لا يكون أحد فعّالا غيره ، وقالوا أيضا معنى إضافة الفعل إلى الإنسان إنما كما نقول مات زيد وإنما الله تعالى أماته ، وقام البناء وإنما أقامه الله تعالى.
قال أبو محمد : خطأ هذه المقالة ظاهر بالحس وبالنص وباللغة التي بها خاطبنا الله تعالى وبها نتفاهم. فأما النص فإن الله عزوجل قال في غير موضع من القرآن (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة الأحقاف : ١٤] وقال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) [سورة الصف : ٢] وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [سورة الكهف : ٣٠ ، ١٠٧] فنص على أن لنا عملا وفعلا. وأما الحس فإن الحواس وبضرورة العقل وبديهته علمنا يقينا علما لا يخالج فيه الشك أن بين
__________________
(١) محمد بن شبيب الدمشقي ، محدث ثقة جمع بين الاعتزال والإرجاء. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (٩ / ٢١٨).
(٢) يونس بن عون النميري من المرجئة. انظر ترجمته في اعتقادات فرق المسلمين (ص ٧٤).
(٣) هو أبو جعفر صالح بن محمد بن قبة. من متكلمي الشيعة. انظر ترجمته في فرق وطبقات المعتزلة (ص ٧٨).
(٤) هو الناشئ الأصغر أبو الحسن علي بن عبد الله بن وصيف. من متكلمي الشيعة. توفي سنة ٣٦٦ ه.
(٥) انظر ترجمته في لسان الميزان (٦ / ٦٨).