العربية في أنهما إنما عنيا بذلك القوة على وجود زاد وراحلة ، وبرهان ذلك أن الزاد والرواحل كثير في العالم ، وليس كونهما في العالم موجبا عندهما فرض الحج على من لا يجدهما.
فصح ضرورة أنهما إنما عنيا بذلك قوة على إحضار زاد وراحلة ، والقوة على ذلك عرض كما قلنا وبالله تعالى التوفيق.
وهكذا القول إن ذكروا قول الله عزوجل : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) [سورة الأنفال : ٦٠].
لأن هذا نص قولنا لأن القوة عرض ، ورباط الخيل عرض ، فسقط هذا القول أيضا. فإذ قد سقطت هذه الأقوال كلها وصح أن الاستطاعة عرض من الأعراض ، فواجب علينا معرفة ما تلك الأعراض؟ فنظرنا في ذلك بعون الله وتأييده ، فوجدنا بالضرورة الفعل لا يقع منه باختيار إلا من صحيح الجوارح التي بها يكون ذلك الفعل ، فصح يقينا أن سلامة الجوارح وارتفاع الموانع استطاعة ، ثم نظرنا سالم الجوارح لا يفعل مختارا إلا حتى يستضيف إلى ذلك إرادة الفعل ، فعلمنا أن الإرادة أيضا محركة للاستطاعة ولا نقول : إن الإرادة استطاعة ، لأن كل عاجز عن الحركة فهو مريد لها وهو غير مستطيع ، وقد علمنا ضرورة أن العاجز عن الفعل فليس فيه استطاعة للفعل لأنهما ضدان ، والضدان لا يجتمعان معا ، ولا يمكن أيضا أن تكون الإرادة بعض الاستطاعة لأنه كان يلزم من ذلك أن في العاجز المريد استطاعة ما ، لأن بعض الاستطاعة استطاعة ، وبعض العجز عجز ، ومحال أن يكون في العاجز عن الفعل استطاعة له البتة.
والاستطاعة ليست عجزا فإن من استطاع على شيء وعجز عن أكثر منه ففيه استطاعة على ما يستطيع عليه ، وفيه عجز أيضا عما لا يستطيع عليه ، هو غير الاستطاعة فيه على ما استطاع عليه ، ثم نظرنا فوجدنا السالم الجوارح المريد للفعل قد يعترضه دون الفعل مانع لا يقدر معه على الفعل أصلا ، فعلمنا أن هاهنا شيئا آخر به تتم الاستطاعة ولا بدّ ، وبه يوجد الفعل ، فعلمنا ضرورة أن هذا الشيء هو تمام الاستطاعة ولا بد ، فلا تصح الاستطاعة إلا به. فهو بالضرورة قوة ، إذ الاستطاعة قوة وإذا ذلك الشيء قوة ولا بد ، فقد علمنا أنه ما أتى به من عند الله تعالى لأنه تعالى مؤتي القوى ،
__________________
٢٨٩٦) عن ابن عمر قال : جاء رجل إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال : «الزاد والراحلة».