فصح يقينا أن كلّ ما أوردنا من الآيات فكلها متفق لا يختلف ، فنظرنا في الآيات المذكورة فوجدناها ظاهرة لائحة ، وهو أن الله تعالى أخبر أنه هدى ثمود فلم يهتدوا ، وهدى الناس كلّهم السبيل ثم هم بعد هذا «إما شاكرا وإمّا كفورا».
وأخبر تعالى في الآيات الأخر أنه هدى قوما فاهتدوا ، ولم يهد آخرين فلم يهتدوا ، فعلمنا ضرورة أن الهدى الذي أعطاه الله تعالى جميع الناس هو غير الذي أعطاه بعضهم ومنعه بعضهم فلم يعطهم إياه ، هذا أمر معلوم بضرورة العقل وبديهته ، فإذ لا شك في ذلك فقد لاح الأمر وهو أن الهدى في اللغة العربية من الأسماء المشتركة ، فهي التي يقع الاسم منها على مسميين مختلفين بنوعهما فصاعدا ، فالهدى يكون بمعنى الدلالة ، تقول هديت فلانا الطريق ، بمعنى أريته إياه ، وأوقفته عليه ، وأعلمته إياه ، سواء سلكه أو تركه ، وتقول : فلان هاد للطريق ، أي هو دليل فيه ، فهذا هو الهدى الذي هدى الله تعالى ثمود وجميع الجن والملائكة ، وجميع الإنس كافرهم ومؤمنهم لأنه تعالى دلهم على الطاعات والمعاصي وعرفهم ما يسخط مما يرضى.
فهذا معنى ، ويكون الهدى بمعنى التوفيق والعون على الخير ، والتيسير له ، وخلقه لقبول الخير في النفوس ، فهذا هو الذي أعطاه الله عزوجل الملائكة كلهم ، والمهتدين من الإنس والجن ، ومنعه الكفار من الطائفتين والفاسقين فيما فسقوا فيه ، ولو أعطاهم إياه تعالى لما كفروا ولا فسقوا ، وبالله تعالى التوفيق.
ومما يبين قوله في الآيات المذكورة : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [سورة الإنسان : ٣].
فيبين أن الذي هداهم له هو الطريق فقط ، وكذلك أيضا قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) [سورة البلد : ٨ ـ ١٠].
فهذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين.
وكذلك قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [سورة السجدة : ١٣].
وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) [سورة الأنعام : ٣٥].
وهذا بلا شك غير ما هدى جميعهم عليه من الدلالة والتبيين للحق من الباطل.
قال أبو محمد : وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) [سورة النساء : ١٦٨].