برهان بأنه منسوخ أو مخصوص ولو كان غير هذا لما صحت حقيقة في شيء من أخبار الله تعالى ولا صحت شريعة أبدا.
إذ لا يعجز أحد في كل أمر من أوامر الله تعالى وفي كل خبر من أخباره عزوجل أن يحمله على غير ظاهره ، وعلى بعض ما يقتضيه عمومه ، وهذا عين السفسطة والكفر والحماقة ونعوذ بالله من الخذلان.
ولم يقم برهان على تخصيص قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩].
قال أبو محمد : ومن ذلك قوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) [سورة الحديد : ٢٢ ـ ٢٣].
قال أبو محمد : فنص على أنه برأ المصائب كلها ، فهو بارئ لها ، والبارئ هو الخالق نفسه بلا شك ، فصح يقينا أن الله تعالى خالق كل شيء ، إذ هو خلق كل مصيبة في الأرض وفي النفوس ، ثم زاد تعالى بيانا برفع الإشكال جملة بقوله (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) [الحديد : ٢٣].
فبيّن تعالى أن ما أصاب الأموال والنفوس من المصائب فهو خالقها. وقد تكون تلك المصائب أفعال الظالمين بإتلاف الأموال وأذى النفوس ، فنص تعالى على أن كل ذلك خلق له عزوجل ، وبه التوفيق.
وأمّا من طريق النظر (١).
فإن الحركة الثقيلة نوع واحد وكل ما يسأل عنه تعالى على جهة النوع فهو منقول على أشخاص ذلك النوع ولا بدّ ، فإن كان النوع مخلوقا فأشخاصه مخلوقة ، وأيضا فلو كان في العالم شيء غير مخلوق لله تعالى لكان من قال : العالم مخلوق والأشياء مخلوقة وما دون الله تعالى مخلوق لله ، كاذبا لأن في كل ذلك عندهم ما ليس بمخلوق ولكان من قال : من العالم غير مخلوق ولم يخلق الله تعالى العالم ، أو الأشياء كلها صادقا ، ونعوذ بالله من قول أدّى إلى هذا.
ونسألهم : هل الله تعالى إله ما في العالم ورب كل شيء أم لا؟ فإن قالوا : نعم ، سئلوا عموما أم خصوصا؟ فإن قالوا : بل عموما صدقوا ، ولزمهم ترك قولهم ، فمحال أن يكون إلها لم يخلق.
__________________
(١) أي البرهان على صحة قول من قال إن الله تعالى خلق أفعال العباد كلها ، من طريق النظر ، بعد أن برهن على ذلك من النصوص.