الكسب ، والكسب هو الخلق. وإن قلتم : إن الكسب غير الخلق ، وليس خلقا لله تركتم قولكم ، ورجعتم إلى قولنا.
وقالوا أيضا إذا كانت أفعالكم مخلوقة لله تعالى ، وأنتم تقولون إنكم مستطيعون على فعلها وعلى تركها ، فقد أوجدتم أنكم مستطيعون على أن لا يخلق الله بعض خلقه.
وقالوا أيضا : إذا كان فعلكم خلقا لله عزوجل ، وعذبكم على فعلكم فقد عذبكم على ما خلق.
وقالوا أيضا قد فرض الله علينا الرضى بما خلق فإن كان الظلم والكفر والكذب مما خلق ، ففرض علينا الرضى بالكفر والظلم والكذب.
قال أبو محمد : هذه عمدة اعتراضاتهم التي لا يشذ عنها شيء من تفريعاتهم. وكل ما ذكروا لا حجة لهم فيه على ما نبين إن شاء الله تعالى بعونه وتأييده ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
فنقول وبالله تعالى التوفيق : أمّا قول الله تعالى : (ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ) [سورة البقرة : ٧٩]. فلا حجة لهم في هذا لأن أول الآية في قوم كتبوا كتابا وقالوا هذا من عند الله ، فأكذبهم الله تعالى في ذلك وأخبر أنه ليس منزلا من عنده ولا مما أمر به تعالى ، ولم يقل هؤلاء القوم إن هذا الكتاب مخلوق ، فأكذبهم الله عزوجل في ذلك وقال تعالى إن هذا الكتاب ليس مخلوقا لله ، فبطل تعلّقهم بهذه الآية جملة. ولا شك عند المعتزلة وعندنا أن ذلك الكتاب مخلوق لله عزوجل ، لأنه قرطاس أو أديم ومداد وكل ذلك مخلوق بلا شك.
وأما قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [سورة المؤمنون : ١٤].
فقد علمنا أنّ كتاب الله عزوجل لا يتعارض ولا يتدافع.
قال الله تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [سورة النساء : ٨٢].
فإذ لا شك في هذا فقد وجدناه تعالى أنكر على الكافرين.
فقال تعالى : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [سورة الرعد : ١٦].
فهذه الآية تثبت فساد ما تعلقت به المعتزلة وذلك أن قوما جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه ، فجعلوهم خالقين فأنكر الله تعالى ذلك ، فعلى هذا خرج قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [سورة المؤمنون : ١٤].