كما قال تعالى : (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً) [سورة الطارق : ١٥ و ١٦] وكما قال : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [سورة آل عمران : ٥٤].
ويبين بطلان ظنون قول المعتزلة في هذه الآية قول الله تعالى : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) [سورة فصلت : ٤٧]. أفيكون مسلما من أوجب لله تعالى شركاء من أجل قوله للكفار الذين جعلوا لله شركاء أين شركائي؟ لا شك أن هذا الخطاب إنما خرج جوابا عن إيجابهم له الشركاء ، تعالى الله عن ذلك.
وكذلك قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [سورة الدخان : ٤٩].
إنما هذا على حكم ذلك المعذّب لنفسه في الدنيا أنه العزيز الكريم وقد علمنا أن كلام الله عزوجل كله على ظاهره ، إلا أن ينقله عن ظاهره نص آخر ، أو إجماع ، أو ضرورة عقل.
وبضرورة العقل وبالنص علمنا أنه ليس لله تعالى شركاء ، وأنه لا خالق غيره عزوجل ، وأنه خلق كل شيء في العالم من عرض أو جوهر ، وبهذا خرج قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [سورة المؤمنون : ١٤] مع قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [سورة النحل : ١٧].
فلو أمكن أن يكون في العالم خالق غير الله تعالى يخلق شيئا لما أنكر ذلك عزوجل إذ هو عزوجل لا ينكر وجود الموجودات ، وإنما ينكر وجود الباطل ، فصحّ ضرورة لا شك فيها أنه لا خالق غير الله تعالى.
فإذ لا شك في هذا فليس في قوله عزوجل (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) إثبات بأن في العالم خالق غير الله تعالى يخلق شيئا وبالله تعالى التوفيق.
وأما قوله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) [سورة العنكبوت : ١٧].
وقوله تعالى عن المسيح صلىاللهعليهوسلم (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً) [سورة آل عمران : ٤٩].
وقول زهير بن أبي سلمى المزني شعرا :
وأراك تخلق ما فريت |
|
وبعض القوم يخلق ثم لا يفري (١) |
__________________
(١) الرواية الصحيحة للشطر الأول : «ولأنت تفري ما خلقت». والبيت في ديوان زهير (ص ٩٤) ولسان العرب ١٠ / ١٨٧ (خلق) و ١٥ / ١٥٣ (فرا) وتهذيب اللغة (٧ / ٢٦ ، ١٥ / ٢٤٢) ومقاييس اللغة (٢ / ٢١٤ ، ٤ / ٤٩٧) وديوان الأدب (٢ / ١٢٣) وكتاب الجيم (٣ / ٤٩) والمخصص (٤ / ١١١) وجمهرة اللغة (ص ٦١٩) وتاج العروس (مادة فرا).