فقد قلنا إن كلام الله عزوجل لا يختلف وقد قال تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [سورة النحل : ١٧].
وقال تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [سورة الفرقان : ٣].
ويتعين على كل ذي عقل أن من جملة أولئك الآلهة الذين اتخذهم الكفار : الجن والملائكة والمسيح عليهالسلام.
قال الله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) [سورة المائدة : ١٧].
وقال حاكيا عن الملائكة أنهم قالوا عن الكفار : (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) [سورة سبأ : ٤١].
فقد صح يقينا بنص الآية أن الملائكة والجنّ والمسيح لا يخلقون شيئا أصلا ، ولا يختلف اثنان في أن جميع الإنس في فعلهم كمن ذكرنا إن كان هؤلاء يخلقون أفعلهم فسائر الناس يخلقون أفعالهم ، وإن كان هؤلاء لا يخلقون أفعالهم فسائر هؤلاء لا يخلقون شيئا من أفعالهم فإن ذلك كذلك ، وكلام الله عزوجل لا يختلف فإذ لا شك في هذا فإن الخلق الذي أثبته الله تعالى للمسيح عليهالسلام في الطير ، وللكفار في الإفك ، هو غير الخلق الّذي نفاه عنهم وعن جميع الخلق ، لا يجوز البتة غير هذا.
فإذ هذا هو الحق بيقين فالخلق الذي أوجبه الله تعالى لنفسه ونفاه عن غيره هو الاختراع والإبداع وإحداث الشيء من لا شيء بمعنى من عدم إلى وجود ، وأمّا الخلق الذي أوجبه الله لغيره فإنما هو ظهور الفعل منهم فقط ، وانفرادهم به ، والله خالقه فيهم.
وبرهان ذلك أن العرب تسمّي الكذب اختلاقا ، والقول الكاذب مختلقا.
وذلك القول بلا شك إنما هو لفظ ومعنى ، واللفظ مركّب من حروف الهجاء ، وقد كان ذلك موجودا لشيء قبل وجود أشخاص هؤلاء المختلقين وهذا كقوله عزوجل : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [سورة الواقعة : ٦٣ ، ٦٤].
وبيقين يدري كل ذي حس سليم مؤمن بالله تعالى وبالقرآن أن الزرع والرمي والقتل الذي نفاه الله تعالى عن الناس وعن رسوله صلىاللهعليهوسلم هو غير الزرع والرمي والقتل الذي أضافه إليهم ، لا يمكن البتة غير ذلك ، لأنه تعالى لا يقول إلا الحق ، فإذ ذلك كذلك فإن الذي نفاه عمن ذكرنا هو خلق كل ذلك واختراعه ، وإبداعه وتكوينه ،