وإخراجه من عدم إلى وجود والذي أوجب لهم منه ظهوره فيهم ونسبه كله إليهم فقط. وبالله تعالى التوفيق.
وقول زهير «ولأنت تخلق ما فريت» لا يشك من له أقل فهم بالعربية أنه لم يعن الإبداع ، ولا إخراج الخلق من عدم إلى وجود ، وإنما أراد النفاذ في الأمر فقط ، فقد وضح أن لفظة الخلق مشتركة تقع على معنيين : أحدهما : لله تعالى لا لأحد دونه ، وهو الإبداع والإخراج من عدم إلى وجود.
والثاني : الكذب فيما لم يكن ، أو ظهور فعل لم يتقدم لغيره ، أو نفاذ فيما يحاول ، وهذا كلّه موجود في الحيوان ، والله خالق كل ذلك وبالله تعالى التوفيق. وبهذا تتالت الأحاديث كلها وأما قوله تعالى : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [سورة النحل : ٨٨] فهو عليهم لا لهم ، لأن الله تعالى أخبر أنه بصنعه أتقن كل شيء ، وهذا على عمومه وظاهره ، فالله تعالى صانع كل شيء ومتقنه ، وإتقانه له أن خلقه جوهرا أو عرضا جاريين على رتبة واحدة أبدا وهذا عين الإتقان.
وأما قوله تعالى : (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) [سورة السجدة آية رقم : ٧] فإنهما قراءتان مشهورتان من قراءات المسلمين. إحداهما : «أحسن كل شيء خلقه» بإسكان اللام فيكون خلقه بدلا من كل شيء ، بدل البيان ، فهذه القراءة عليهم ، لأن معناها أن الله تعالى أحسن خلقه لكل شيء وصدق الله عزوجل ، وهكذا نقول : إن خلق الله لكل شيء حسن ، والله تعالى محسن في كل شيء والقراءة الأخرى «خلقه» بفتح اللام. وهذه أيضا لا حجة لهم فيها ، لأنه ليس فيها إيجاب ، لأن هاهنا أشياء لم يخلقها الله عزوجل ، ومن ادّعى أن هذا مقتضى الآية فقد كذب ، وإنما يقتضي لفظ الآية : أن كل شيء فالله تعالى خلقه كما في سائر الآيات ، والله تعالى أحسن كل شيء إذ خلقه ، وهذا قولنا ، وكذلك نقول إن الإنسان لا يفعل شيئا إلا الحركة أو السكون والاعتقاد والإرادة والفكر ، وكل هذه كيفيات وأعراض حسان خلقها الله تعالى فقد أحسن رتبتها وإيقاعها في النفوس والأجسام ، وإنما قبّح ما قبّح من ذلك من الإنسان ، لأن الله تعالى سمّى وقوع ذلك أو بعضه ممن وقعت منه قبيحا ، وسمّى بعض ذلك حسنا ، كما كانت الصلاة إلى بيت المقدس حركة حسنة إيمانا ، ثم سماها الله تعالى قبيحة كفرا وهذه تلك الحركة نفسها فصحّ أنه ليس في العالم شيء حسن لعينه ، ولا شيء قبيح لعينه ، لكن ما سمّى الله حسنا فهو حسن وفاعله محسن.
قال تعالى : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) [سورة الإسراء : ٧].