وقال تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) [سورة الرحمن : ٦٠].
وما سماه الله تعالى قبيحا فهو حركة قبيحة ، وقد سمى الله تعالى خلقه لكل شيء في العالم حسنا ، فهو كله من الله تعالى حسن ، وسمّى ما وقع من ذلك من عباده كما شاء. فبعض ذلك قبّحه فهو قبيح ، وبعض ذلك حسّنه فهو حسن ، وبعض ذلك قبّحه ثم حسّنه. فكان قبيحا ثم حسنا ، وبعض ذلك حسّنه ثم قبّحه فكان حسنا ثم قبح ، كما صارت الصلاة إلى الكعبة حسنة بعد أن كانت قبيحة ، وكذلك جميع أفعال الناس التي خلقها الله تعالى فيهم كالوطء قبل النكاح وبعده ، وكسبي من نقض الذمة وكسائر الشريعة كلها.
وقد اتفقت المعتزلة معنا على أن الله تعالى خلق الخمر والخنازير ، والحجارة المعبودة من دونه ، وأن كل ذلك منه تعالى حسن بلا شك ، وهي مسماة قبائح وأرجاسا وحراما ونجسا وسيئا وخبيثا وهكذا القول في خلقه للأعراض في عباده ولا فرق ، وكذلك وافقنا أكثرهم على أنه تعالى خلق فساد الدماغ والجنون المتولد منه والجذام والعمى والصمم والفالج والحدبة والأدرة (١) وكل هذا من خلق الله تعالى له حسن ، وكله فيما بيننا قبيح رديء جدّا يستعاذ بالله تعالى منه.
وقد نص الله تعالى على أنه خلق المصائب كلها ، فقال عزوجل (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) [سورة الحديد : ٢٢].
فنص تعالى على أنه برأ المصائب كلها ، وبرأ : خلق بلا خلاف من أحد ، ولا فرق بين إلزامهم إيانا أن الله تعالى أحسن الكفر والظلم والجور والكذب والقبائح إذ خلق كل ذلك وبين إقرارهم معنا أن الله قد أحسن الخمر والخنازير والدم والميتة والعذرة وإبليس وكل من قال : أنا إله من دون الله تعالى والأوثان المعبودة من دون الله تعالى والمصائب كلها والأمراض والعاهات إذ خلق كل ذلك ، فأي شيء قالوه في هذه الأشياء هو قولنا في خلق الله تعالى للكفر به ولشتمه والظلم والكذب ولا فرق ، وكل ذلك قد أحسن الله تعالى خلقه ، إذ خلقه حركة أو سكونا أو تمييزا في النفس ، وسمّى ظهوره من العبد قبيحا ، موصوفا به الإنسان.
وأما قوله تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) [سورة الملك : ٣].
__________________
(١) الأدرة : انتفاخ الخصية لتسرب سائل فيها (المعجم الوسيط : ص ١٠).