فإذ لم يقل عليهالسلام ذلك فالقول به واعتقاده إفك وضلال ، وكذلك أجمع جميع الصحابة رضي الله عنهم على الدعاء إلى الإسلام وقبوله من كل أحد دون ذكر استدلال ، ثم هكذا جيلا فجيلا حتى حدث من لا وزن له.
فإن قالوا : قد قال الله عزوجل : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة : ١١١]. قلنا : نعم هذا حق ، وإنما قاله الله عزوجل لمن خالف الحق الذي أمر عزوجل الجن والإنس باتباعه.
وهكذا القول أن كل من قال قولا خالف فيه ما أمر الله عزوجل باتباعه فسواء استدل بزعمه أو لم يستدل ، هذا مبطل غير معذور إلا من عذره الله عزوجل فيما عذره فيه كالمجتهدين من المسلمين بخطإ قاصد إلى الحق فقط ما لم يقم عليه حجة فيعاند وأما من اتبع الحق فما كلفه الله عزوجل قطّ برهانا.
والبرهان قد ثبت بصحة كل ما أمر الله تعالى به ، فسواء علمه فتبع الرسول صلىاللهعليهوسلم أو لم يعلمه حسبه أنه عالم بالحق معتقد له موقن به ، وإن جهل برهانه الذي قد علمه غيره ، وهذا خلق الله عزوجل الإيمان والعلم في نفسه كما خلقه في نفس المستدل ولا فرق ، قال الله عزوجل : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) [سورة النصر : ١ ، ٢]. فسماهم داخلين في دينه وإن كانوا أفواجا ، وما شرط الله عزوجل قط ولا رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يكون ذلك باستدلال ، بل هذا شرط من شرط ذلك ممن قذفه إبليس في قلبه وعلى لسانه ليخرجه إلى تكفير الأمة ، ولا عجب أعجب من إصفاق هذه الطائفة الضالة المخذولة على أنه لا يصح لأحد إيمان حتى يستدل على ذلك ، ولا يصح لأحد استدلال إلا حتى يكون شاكّا في نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم غير مصدق بها ، فإذا كان ذلك كذلك صح له الاستدلال ، وإلا فليس مؤمنا ، فهل سمع بأحمق أو أدخل في الحمق والكفر من قول من قال لا يؤمن أحد إلا حتى يكفر بالله تعالى وبالرسول صلىاللهعليهوسلم؟ وأن من آمن بهما ولم يكفر بهما قط فهو كافر مشرك؟ نبرأ إلى الله تعالى من كل من قال بهذا.
قال أبو محمد : فهذان طريقان لا ثالث لهما ، وكل طريق منهما تنقسم قسمين أحدهما : من اتبع الذي أمره الله تعالى باتباعه وهو رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهذا مؤمن عالم حقا ، سواء استدل أو لم يستدل ، لأنه فعل ما أمر الله تعالى به ، ثم ينقسم هؤلاء قسمين أحدهما : من لم يتبع قط غيره عليهالسلام ووافق الحق بتوفيق الله عزوجل ، فهذا له في كل عقد اعتقده أجران ، وإما أن يكون حرم موافقة الحق وهو يريد في أمره ذلك