[٣] (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) ما لم يذكّ من الحيوان (وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أي الحيوان الذي لم يذكر اسم الله عليه حال ذبحه ، والضمير راجع إلى (ما) (وَالْمُنْخَنِقَةُ) الحيوان الذي مات بالخنق (وَالْمَوْقُوذَةُ) الحيوان الذي مات بشدة الضرب (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) الذي مات بسبب السقوط من مكان عال (وَالنَّطِيحَةُ) الحيوان الذي نطحه حيوان آخر فمات (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) بأن افترسه السبع فمات (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) أدركتم ذكاته من الحيوانات المذكورات ، ما عدا الخنزير (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) الأصنام ، أي ما سمّي عليه الصنم حين ذبحه (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا) أي حرام ما قسمتموه (بِالْأَزْلامِ) أي السهام ، وهذا حرام لكونه قمارا (ذلِكُمْ) المتناول للمذكورات (فِسْقٌ) خروج عن طاعة الله ومحرّم (الْيَوْمَ) وبعد قوة الإسلام ونصب الخليفة (يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) من أن ينالوه بسوء لقوة الإسلام خصوصا بعد أن عيّن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الخليفة القائم مقامه وهو الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام (فَلا تَخْشَوْهُمْ) أن يقهروكم (وَاخْشَوْنِ) فلا تخالفون أوامري (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وإكماله بنصب عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام في غدير خم ، بعد حجة الوداع (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) بولاية عليّ عليهالسلام (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) من بين الأديان ، فإنه قبل الكمال لم يكن رضا كاملا ، وإنما الرضا المطلق حصل بعد نصب الخليفة (١) (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) مجاعة ، بأن اضطر إلى أكل المحرمات التي ذكرت ، في حال كونه (غَيْرَ مُتَجانِفٍ) أي غير متمايل (لِإِثْمٍ) بان لا يأكل تلذذا بل اضطرارا (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بعباده لذا يبيح للمضطر المحرمات.
[٤] (يَسْئَلُونَكَ) يا رسول الله (ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) فإنهم بعد ما علموا المحرمات سألوا عن المحللات (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) وهي كل ما لم يأت عليه تحريم (وَ) أحل لكم صيد (ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) أي الحيوانات التي تجرح الصيد والمراد بها الكلاب إذا كانت معلّمة ، بأن علمها الإنسان ذلك (مُكَلِّبِينَ) أي حال كونكم صاحبي كلاب (تُعَلِّمُونَهُنَ) أي تعلمون الكلاب الاصطياد (مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) من طرق التأديب ، فإن علم الإنسان إنما هو إلهام من الله (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ) أي أخذن تلك الكلاب وقتلنه (عَلَيْكُمْ) أي لأجلكم (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) أي سمّوا الله عند إرسال الكلاب (وَاتَّقُوا اللهَ) فلا تنالوا محرماته (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) فإن كل آت قريب.
[٥] (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) ليس المراد الحرمة قبل هذا اليوم بل بيان هذا الحكم إنما كان في هذا اليوم (وَطَعامُ) أي الحبوب (٢) ، ولذا يقال بيّاع الطعام ، لبائعي الحبوب ، ولذا يعنونون الفقهاء مسألة (بيع الطعام) مريدين به الحبوب ، فالطعام منصرف إليها (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌ) حلال (لَكُمُ) والتخصيص بأهل الكتاب لأنهم محل ابتلاء المسلمين ، كما أن العكس أيضا كذلك وهو : (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) فالتخصيص لما ذكر وإلا فطعام المسلم حلّ حتى لغير أهل الكتاب (وَ) أحل لكم (الْمُحْصَناتُ) أي النساء العفيفات بأن تتزوجوهن (مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)
__________________
(١) وهناك حكمة في جعل آية الولاية في هذا الموضع ، مذكورة في المفصلات.
(٢) أهل الحجاز إذا أطلقوا اللفظ بالطعام ، عنوا به البر خاصة ، وقال الخليل : إن الطعام هو البر خاصة. راجع لسان العرب ج ١٢ ص ٣٦٤.