[٢٨] (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) احبسها (مَعَ الَّذِينَ) المؤمنين (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) أي في عامة أوقاتهم ، صباحا ومساء (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) رضاه وذاته ، بلا شرك ورياء (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) لا تجاوز نظرك عنهم إلى غيرهم من أصحاب الثروة والجاه (تُرِيدُ) بذلك (زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ) تركنا قلبه حتى غفل (عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) لا نظام له ، فإن المؤمن إيمانه نظام لجميع أموره ، أما الكافر فيميل إلى هنا وهناك كالعنب الفرط الذي انسلخ عن عنقوده.
[٢٩] (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) تهديدا لهم (إِنَّا أَعْتَدْنا) هيّئنا (لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) فسطاطها ، لأن النار كالسرادق ذات قاعدة واسعة ورأس تنتهي إلى نقطة (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) من العطش (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) كالنحاس المذاب ثقلا وحرارة ولزوجة (يَشْوِي) يطبخ ذلك الماء (الْوُجُوهَ) بمجرد اقترابه منها ، لشدة حرارته (بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ) النار (مُرْتَفَقاً) مقابل (حسنت مرتفقا) (١) لأصحاب الجنّة ، كما سيأتي.
[٣٠ ـ ٣١] (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً* أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) بساتين إقامة للخلود (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ) تحت أشجارهم وقصورهم (الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ) يلبسون الحليّ والزينة (فِيها مِنْ أَساوِرَ) ما يوضع في الذراع من الحلي (مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً) فإنه أجمل الألوان (مِنْ سُنْدُسٍ) الديباج الرقيق (وَإِسْتَبْرَقٍ) الديباج الغليظ ، وللغليظ منظر جميل كما أن الرقيق له ملمس حسن (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) جمع أريكة وهي السرير (نِعْمَ الثَّوابُ) الجنة (وَحَسُنَتْ) الأرائك (مُرْتَفَقاً) متكئا.
[٣٢] (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً) لعاقبة حال الكافر (رَجُلَيْنِ) مؤمن وكافر ورثا مالا تصدّق أحدهما بماله فبقي له ثوابه ، واشترى به الآخر مالا فذهب ضياعا (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ) بستانين (مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما) أي أحاط النخل بالأعناب في أطراف البستان (بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما) بين البستانين (زَرْعاً) فعنب ونخيل وزرع منظر جميل وثروة طائلة.
[٣٣] (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) أعطت ثمارها (وَلَمْ تَظْلِمْ) الجنّة (مِنْهُ) من الثمر (شَيْئاً) بأن أعطتا ثمرا كاملا بلا نقص (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما) وسط الجنّتين (٢) (نَهَراً) يسقيهما بسهولة.
[٣٤] (وَكانَ لَهُ) للرجل (ثَمَرٌ) أي ثمر كثير ، كقولهم (إن له لإبلا) (فَقالَ) الكافر (لِصاحِبِهِ) المؤمن (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) يراجعه في الكلام : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) جماعة ، فجماعتي أكثر عزة من جماعتك.
__________________
(١) المرتفق : المتكأ ، يقال : قد ارتفق إذا اتكأ على من يرفقه. لسان العرب.
(٢) التفجير : التشقيق.