[٢١ ـ ٢٣] (وَقالَ) الكفار (الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) حيث ينكرون البعث : (لَوْ لا) أي هلا (أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) بأن نزلت على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم دوننا (أَوْ نَرى رَبَّنا) ليقول لنا شريعته شفاها بدون واسطة (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا) أظهروا الكبر الكامن (فِي أَنْفُسِهِمْ) فهل كل إنسان قابل لنزول الملائكة عليه أو هل الله يمكن رؤيته (وَعَتَوْا) طغوا في مقالهم (عُتُوًّا كَبِيراً). (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) لقبض أرواحهم (لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) أي يمنعون من البشارة (وَيَقُولُونَ) الكفّار حينذاك : (حِجْراً مَحْجُوراً) أي حراما محرما (١) ، وهذه كلمة كانت العرب تقولها إذا رأت العدو ، أي إن دمي عليك حرام ، فإذا رأى الكفار الملائكة كانت الملائكة عدوّا لهم لا مبشرا ومنزلا للوحي. (وَقَدِمْنا) تقدمنا (إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) صالح كصلة رحم وإعانة فقير (فَجَعَلْناهُ هَباءً) هو الغبار الذي يرى في الشمس الداخلة من الكوة ، حيث لا فائدة له إطلاقا (مَنْثُوراً) متفرقا ، وذلك لأن الإيمان شرط قبول العمل ، نعم الأعمال الصالحة توجب تخفيف العقاب.
[٢٤ ـ ٢٧] (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) مكانا يستقرون فيه (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) موضعا ينامون فيه نوم القيلولة. (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ) تنفطر (السَّماءُ بِالْغَمامِ) بظهور الغمام منها كأنه بساط عليه الملائكة (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) وذلك لأجل حساب الناس. (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ) بيان ل (يوم) ، يعنى : الملك في يوم التشقق للرحمن (الْحَقُ) الثابت وقد زال كل ملك زائف (لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) شديدا. (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) لنفسه بكفر أو عصيان (عَلى يَدَيْهِ) ندما وتحسرا (يَقُولُ يا) قوم (لَيْتَنِي) في الدنيا (اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) إلى الهدى.
[٢٨] (يا وَيْلَتى) يا هلكتي احضري فهذا وقتك (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً) الذي أضلني وسبب العذاب لي (خَلِيلاً) صديقا.
[٢٩ ـ ٣٠] (لَقَدْ أَضَلَّنِي) فلان (٢) (عَنِ الذِّكْرِ) عن القرآن (بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) الذكر ، وكان مقتضى القاعدة أن أؤمن (وَكانَ الشَّيْطانُ) الذي أضلّه ، إنسا كان أو جنا (لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) فلا ينفعه في ذلك الوقت العصيب ، بل أضلّه في الدنيا وتركه في الآخرة. (وَقالَ الرَّسُولُ) محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي) الكفار الذين بعثتني إليهم (اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) متروكا فلم يقبلوه ولم يعملوا به.
[٣١] (وَكَذلِكَ) كما تركنا أعداءك ليعادوك ، حتى تتم الحجة (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) بأن تركناهم حتى يعادوا الأنبياء عليهمالسلام وذلك لأن الدنيا دار اختيار واختبار ، وقوله : (جعلنا) كقولك : (جعل الملك الناس مفسدين) إذا تركهم وشأنهم ، وفي هذا تسلية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً) يهديك فلا يضلونك (وَنَصِيراً) ينصرك عليهم.
[٣٢] (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا) هلّا (نُزِّلَ عَلَيْهِ) على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) لا تدريجا (كَذلِكَ) إنما نزلناه متفرقا (لِنُثَبِّتَ بِهِ) لنقوي بالقرآن (فُؤادَكَ) قلبك حيث أن التدريج يوجب الاستمرارية وتقوية الملكة بخلاف الدفعة (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) أي أنزلناه شيئا بعد شيء للإرشاد في مختلف المناسبات ، مثلا آيات بدر إنما نزلت في تلك الغزوة ، وآيات حنين إنما نزلت في تلك الحرب ، وآيات الصيام في وقت تشريعه وهكذا.
__________________
(١) أصل الحجر : الضيق وسمي الحرام حجرا لضيقه بالنهي عنه.
(٢) أضله : وجهه للضلال عن الطريق.