[١٢] (إِذا رَأَتْهُمْ) النار ، أي كانت بمرأى منهم (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) عنهم (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً) غليانا (وَزَفِيراً) صوتا شديدا ، فكيف بها إذا اقتربوا منها وألقوا فيها.
[١٣] (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها) أي من النار ، والمراد فيها (مَكاناً ضَيِّقاً) فإن أهل النار مبتلون بضيق المكان على سعتها ، وذلك لتكثير عذابهم (مُقَرَّنِينَ) قرن بعضهم ببعض ، فإن ذلك مما يسبب كثرة الأذى ، أو مغللين (دَعَوْا هُنالِكَ) في ذلك المكان (ثُبُوراً) أي هلاكا فإنهم يتمنون الهلاك ولا يأتيهم.
[١٤] ويقال لهم بقصد التبكيت : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) فإن عذابهم أنواع كثيرة يستدعي كل نوع منه ثبورا.
[١٥] (قُلْ أَذلِكَ) العذاب (خَيْرٌ) لهؤلاء الكفّار (أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) التي فيها الخلود (الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ) الجنة (لَهُمْ جَزاءً) لأعمالهم (وَمَصِيراً) يصيرون إليها.
[١٦] (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) من أنواع النعيم (خالِدِينَ كانَ) إدخالهم فيها (عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً) يسأله الناس قائلين : (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك) (١).
[١٧] (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) أي يجمع الله الكفّار (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أصنامهم (فَيَقُولُ) الله لتلك الأصنام : (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) وهذا السؤال لأجل توبيخ العبّاد لها بما تقوله الأصنام من الجواب.
[١٨] (قالُوا) أي المعبودون : (سُبْحانَكَ) تنزيها لك عن الشريك نحن لم نضلهم بل هم ضلّوا (ما كانَ يَنْبَغِي) يصح (لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) بأن نوالي أعداءك الكافرين ونأخذهم عبّادا لنا (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَ) متعت (آباءَهُمْ) بأنواع النعم (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) تركوه كأنه منسي بأن لم يعملوا بما ذكروا به (وَكانُوا قَوْماً بُوراً) هالكين.
[١٩] (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) كذبتكم أيها المشركون آلهتكم (بِما تَقُولُونَ) من أنهم آلهة لأنهم تبرأوا منكم (فَما تَسْتَطِيعُونَ) أي آلهتكم (صَرْفاً) دفعا للعذاب عنكم (وَلا نَصْراً) بأن ينصروكم في دفع العذاب عن أنفسكم (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) نفسه بالشرك (نُذِقْهُ) في الآخرة (عَذاباً كَبِيراً) وهو جهنم.
[٢٠] (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) يا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) ردّ لقولهم : (ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) امتحانا ، فالشريف مبتلى بالوضيع والفقير بالغني وهكذا ، كما ابتلى الأنبياء عليهمالسلام بالأمم (أَتَصْبِرُونَ) بأداء أمر الله في حال الابتلاء (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) بمن يصبر ومن لا يصبر.
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٩٤.