[٢١١] (سَلْ) اسأل يا رسول الله (بَنِي إِسْرائِيلَ) علماء اليهود (كَمْ آتَيْناهُمْ) أعطينا لأنبيائهم (مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) معجزة ظاهرة ، والاستفهام للتوبيخ ، وهي في مقام بيان إن الله أتم الحجة عليهم حيث ذكر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في كتبهم مرات وكرات (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ) بأن لم يؤمن ، فإن الإيمان نعمة من الله (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ) وصلت إليه فلم يعمل بمقتضى النعمة (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) تهديد لبني إسرائيل الذين لا يؤمنون برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
[٢١٢] (زُيِّنَ) حسن في أعينهم (لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) صفة الحياة ، مقابل الحياة الآخرة ، فهم يعملون لأجلها فقط (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي يستهزئون بالمؤمنين ، ويقولون إنهم سفهاء حيث يعملون لشيء مجهول (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ) أي فوق مكان الكفار ، أو فوقهم في الرتبة والكرامة (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) كناية عن الكثرة ، فهم والكفار كلاهما يرزقان في الدنيا على حد سواء ، وفي الآخرة المتقون فوقهم.
[٢١٣] (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) على كيفية واحدة في العقيدة والعمل وهكذا كل أمة قبل ظهور المصلحين ، فإنهم يختلط فيهم الحق بالباطل ، ثم يأتي المصلحون لينبهوا على مواضع الخطأ (فَبَعَثَ) أي أرسل (اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِ) أي إن إنزال الكتاب إنما هو بسبب بيان الحق ، أو إن إنزال الكتاب كان حقا (لِيَحْكُمَ) الله (بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي في موارد الخلاف بين الناس (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ) أي في الحق (إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) أي أعطوا الكتاب ، فإن أهل الكتاب لم يلبثوا أن اختلفوا في حقائق الكتاب ومراداته (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) الأدلة الواضحة على مرادات الكتاب ، وإنما اختلفوا (بَغْياً) أي ظلما (بَيْنَهُمْ) فإنهم عوض أن يرشدوا الناس الكفار وقع بعضهم في محاربة بعض (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِ) فالذين هم مؤمنون واقعا من أهل الكتاب ، وليسوا بطالبين للرئاسة والمال ، يتبعون الحق و(من الحق) بيان (ما) (بِإِذْنِهِ) أي هداهم بلطفه (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وليست مشيئته اعتباطية ، بل هي لمن كان في طريق الحق ومريدا للهداية.
[٢١٤] (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) استفهام إنكاري ، أي هل تظنون دخول الجنة بدون الامتحان الشاق (وَلَمَّا يَأْتِكُمْ) أي والحال أنه بعد لم يأتكم (مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) أي مضوا من المؤمنين السابقين ، أي لم يصبكم مثل ما أصابهم (مَسَّتْهُمُ) أي أصابتهم ، وهذا بيان ل (مثل) (الْبَأْساءُ) الشدائد (وَالضَّرَّاءُ) الأمراض (وَزُلْزِلُوا) أزعجوا بأنواع البلاء والأذى (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) وذلك لطول البلاء (مَتى نَصْرُ اللهِ) وذلك لنفاد صبرهم ، ومعناه تمني النصر وانتظاره ، قل لهم يا رسول الله (أَلا) تنبهوا (إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) فإن كل آت قريب ، لأنه مقبل ، بخلاف الماضي الذي هو بعيد ، لأنه مدبر ، فلا يزداد إلا بعدا.
[٢١٥] (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) من الأموال (قُلْ) يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) بيان (ما) أي أنفقوا ما تشاءون من خير ، فليس الإنفاق خاصا بشيء معين ، ثم فرع على ذلك كون الخير للمذكورين (فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الأقرباء (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) الذي انقطع به الطريق ولا يجد المال لمصرفه (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) بيان (ما) (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ).