إلّا ما علمتم ؛ فإنّه من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار ، ومن قال في القرآن من غير علم فليتبوّأ مقعده من النّار».
والسلف الماضون رحمهمالله كانوا من أبعد الغاية احترازا عن القول في نزول الآية.
عن محمد بن سيرين ، قال : سألت عبيدة عن آية من القرآن ، فقال : اتّق الله وقل سدادا ، ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن ، وأمّا اليوم فكل أحد يخترع شيئا ، ويختلق إفكا وكذبا ، ملقيا زمامه إلى الجهالة ، غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب الآية.
وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب ، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن ، والمتكلمون في نزول القرآن ، فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب ، ويجدّوا في تحفظه بعد السماع والطلب.
ولا بدّ من القول أولا في مبادئ الوحي ، وكيفيّة نزول القرآن ابتداء على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتعهد جبريل إيّاه بالتنزيل ، والكشف عن تلك الأحوال ، والقول فيها على طريق الإجمال ، ثم نفرّع القول مفصّلا في سبب نزول كل آية [حسب ترتيب السور] روي لها سبب مقول ، مرويّ منقول ، والله تعالى الموفق للصواب والسداد (١).
أول ما نزل من القرآن
روى عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب الزهري ، قال : أخبرني عروة ، عن عائشة أنّها قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبّب إليه الخلاء ، فكان يأتي «حراء» فيتحنّث فيه ـ وهو التعبد ـ اللّيالي ذوات العدد ، ويتزوّد لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة ، فيتزوّد لمثلها ، حتى فجأه الحقّ وهو في غار حراء ، فجاءه الملك ، فقال : (اقْرَأْ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فقلت : ما أنا بقارئ» ، قال : «فأخذني حتى بلغ منّي
__________________
(١) من مقدمة الإمام النيسابوري ٧ ـ ٨ ، الترمذي في كتاب العلم ٥ ، ولفظه : «من قال في كتاب الله برأيه فأصاب فقد أخطأ» ، وفي إسناده ضعف.