ثم قال : «وهذا شأن أسباب النزول في التعريف بمعاني المنزّل ، بحيث لو فقد ذكر السبب لم يعرف من المنزل معناه على الخصوص ، دون تطرق الاحتمالات ، وتوجه الإشكالات. وقد قال عليه الصلاة والسلام : «خذوا القرآن من أربعة : عبد الله بن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى أبي حذيفة» (١).
وقد قال ابن مسعود في خطبة خطبها : «والله لقد علم أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أني من أعلمهم بكتاب الله ... والذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلّا أنا أعلم أين أنزلت! ولا أنزلت آية من كتاب الله إلّا وأنا أعلم فيم أنزلت! ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله منّي تبلغه الإبل لركبت إليه».
وهذا يشير إلى أن علم أسباب النزول من العلوم التي يكون العالم بها عالما بالقرآن الكريم وعلم تفسيره.
آية التّسمية وبيان نزولها
عن أبي رزق ، عن الضّحاك ، عن ابن عباس أنّه قال : أول ما نزل به جبريل على النبي صلىاللهعليهوسلم قال : يا محمد! استعذ ثم قل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). [وفي إسناده انقطاع ، الضحاك لم يدرك ابن عباس].
وعن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه (بسم الله الرحمن الرحيم) (٢).
__________________
ـ نتساءل : ما العلاقة بين ذكر الله وذكر الآباء ، والسياق وارد في ذكر أحكام مناسك الحج : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ ..)؟ فإذا عرفنا سبب النزول تبين لنا المقصود من ذلك. قال الرازي في تفسيره ، ج ٢ / ١٨٦ : «روي عن ابن عباس : أن العرب كانوا عند الفراغ من حجتهم بعد أيام التشريق ، يقفون بين مسجد منى وبين الجليل ، ويذكر كل واحد منهم فضائل آبائه في السماحة والحماسة وصلة الرحم ، ويتناشدون فيها الأشعار ، ويتكلمون بالمنثور من الكلام ، ويريد كل واحد منهم من ذلك الفعل حصول الشهرة والترفع بمآثر سلفه. فلما أنعم الله عليهم بالإسلام أمرهم أن يكون ذكرهم لربهم كذكرهم لآبائهم أو أشدّ ذكرى».
(١) رواه الترمذي والحاكم عن ابن عمر بإسناد صحيح.
(٢) سنن أبي داود برقم ٧٨٨ ، وهو حديث صحيح.