فارقتهم ، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته ، وكنت غريبا فيهم ، وكان أهلي بين ظهرانيهم ، فخشيت على أهلي ، فأردت أن أتخذ عندهم يدا ، وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه ، وكتابي لا يغني عنهم شيئا. فصدقه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعذره ، فنزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ). فقام عمر بن الخطاب فقال : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم : اعملوا ما شئتم ، قد غفرت لكم» (١).
وعن الشافعي : أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد : أخبرنا محمد بن يعقوب بن علي بن عبيد الله بن أبي رافع قال : سمعت عليا يقول : بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنا والزبير والمقداد ، قال : «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن فيها ظعينة معها كتاب». فقلنا لها : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب. فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة ، يخبر بعض أمر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «ما هذا يا حاطب؟» ، فقال : لا تعجل عليّ ، إني كنت امرأ ملصقا في قريش ، ولم أكن من نفسها ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم ، ولم يكن لي بمكة قرابة ، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا ، والله ما فعلته شاكا في ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنه قد صدق». فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال : «إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم». ونزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (٢).
الآية : ٧ ـ قوله تعالى : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٧).
__________________
(١) النيسابوري ، ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦.
(٢) أخرجه الشيخان في صحيحيهما : البخاري : التفسير / الممتحنة ، باب : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) ، رقم : ٤٦٠٨ ، ومسلم : فضائل الصحابة ، باب : من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم ، رقم : ٢٤٩٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٨ / ٥٠ ـ ٥٢.