وروي أن مروان أرسل بوابه إلى ابن عباس ، وقال : قل له «لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذّبا ، لنعذّبنّ أجمعون»؟! فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية؟ إنما دعا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يهود ، فسألهم عن شيء فكتموه إيّاه ، وأخبروه بغيره ، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم ، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ، ثم قرأ : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ... إلى قوله : (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) [سورة آل عمران ، الآيتان : ١٨٧ ـ ١٨٨] ، فهذا السبب بيّن أن المقصود من الآية غير ما ظهر لمروان.
ثم يذكر الشاطبي قصة عمر بن الخطاب مع قدامة بين مظعون حين شرب الخمر ، وهو يتأوّل الآية الكريمة : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا) [سورة المائدة ، الآية : ٩٣] ، حيث قال : فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا ، شهدت مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد ، فقال عمر : ألا تردّون عليه قوله؟ فقال ابن عباس : إن هؤلاء الآيات أنزلن عذرا للماضين وحجة على الباقين ، فعذر الماضين بأنهم لقوا الله قبل أن تحرم عليهم الخمر ، وحجة على الباقين ، لأن الله يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الآية .. [سورة المائدة ، الآية : ٩٠] ، ثم قرأ إلى آخر الآية .. فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا وأحسنوا ، فإن الله قد نهى أن يشرب الخمر ، قال عمر : صدقت.
ويذكر الشاطبي خبرا آخر عن جماعة من أهل الشام مع عمر أيضا في تأويلهم الآية : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ) ، لشربهم الخمر ، فدعاهم إليه ، فلما أن قدموا عليه استشار فيهم الصحابة ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، نرى أنّهم قد كذبوا على الله وشرّعوا في دينه ما لم يأذن به ، إلى آخر الحديث.
ثم قال الشاطبي : «ففي الحديثين بيان أنّ الغفلة عن أسباب النزول تؤدي إلى الخروج عن المقصود بالآيات» (١).
__________________
(١) والذي يؤكد ما ذكره الإمام الشاطبي هنا ما ذكره الإمام الرازي في تفسيره عن سبب نزول قول الله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) [سورة : البقرة ، الآية : ٢٠٠] ، ونحن ـ