ونحن اليوم فى أيدينا هذا المصحف الإمام أقوم ما يكون ضبطا ، وأصحّ ما يكون شكلا ، فما أغنانا به عن كل قراءة لا يحملها رسمه ولا يشير إليها ضبطه ، من تلك القراءات التى كانت تلك حالها التى بسطناها لك.
الثالثة : وهى التى تتصل بإحلال كلمة مكان كلمة ، أو تقديم كلمة على كلمة ، أو زيادة أو نقصان.
وما أظن هذه تكون كلمة تذكر بعد أن أصبح فى أيدينا المصحف الإمام ، هيّأه لنا عثمان فى الأولى ، وزفّه إلينا الحجاج فى الثانية ، وما كان هذا العملان إلا خطوتين : خطوة دعّمت خطوة ، فى سبيل الوحدة الكاملة لكتاب الله ، كما حفظه الله على لسان الحفظة من الصحابة والتابعين.
وآخر ما نختم به الحديث عن القراءات قول الزركشى فى كتابه «البرهان» حيث يقول :
«القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان :
فالقرآن : هو الوحى المنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم للبيان والإعجاز.
والقراءات السبع متواترة عند الجمهور ، وقيل : بل مشهورة ، والتحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة.
أما تواترها عن النبى صلىاللهعليهوسلم ففيه نظر».
١٩ ـ رسم المصحف
ومن الناظرين فى رسم القرآن : فريق صرفهم الإجلال له عن أن يفصلوا بين ما هو وحى من عند الله حرّك به لسان رسوله ، وبين ما صوّره كتّاب الرّسول حروفا وكلمات.
وأنت تعرف أن الكلمة الواحدة قد تختلف صورة رسمها على أيدى كتبة يكتبون عن ممل واحد ، إذا اختلفت طرق تلقّيهم للإملاء ، غير أنهم حين يلفظون هذه الكلمة مجمعون على نطق واحد.
وما من شك فى أن القرآن الكريم تعرّض رسمه لهذا الخلاف ، وكان حفظ الله له فى بقاء حفظته ، يعى الناس عنهم أكثر مما يعون عن القراءة ، وكانوا بهذا مطمئنين ، وحين عدت العاديات على الحفظة بدأ الخوف يدب ، وبدأ تفكير الصحابة يتّجه إلى ما هو أبقى ، أعنى جمع القرآن مكتوبا.
وكانت محاولة أبى بكر وعمر التى مرّت بك ، واجتمع للناس قرآنهم مكتوبا ، وبدأ شغلهم بما هو