رَبِّكُمْ) أي حتى تقرّوا بالتوراة والإنجيل والقرآن المنزل إلى جميع الخلق ، وقيل معناه : حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما فيهما ، وإنما كان ذلك قبل النسخ لهما عن الجبائي (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) مرّ تفسيره قبل (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أي لا تحزن عليهم ، وهذه تسلية للنبي (ص) ، أي فلا تحزن فإن تكذيب الأنبياء عادتهم ودأبهم وقيل معناه : لا تحزن على ذلك الكفر وتجاوز الحد في الظلم منهم فإن ضر ذلك عائد عليهم ، وقيل معناه : لا تحزن على هلاكهم وعذابهم فذلك جزاؤهم بفعالهم.
٦٩ ـ قد مضى تفسير هذه الآية مشروحا في سورة البقرة وقيل : ان من آمن يرجع إلى الجميع ، ويكون معناه : من يستديم الإيمان ويستمرّ عليه.
٧٠ ـ ٧١ ـ ثم أقسم سبحانه بأنه أخذ عليهم الميثاق فقال : (لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) يريد الأيمان المؤكدة التي أخذها أنبياؤهم على الإخلاص في التوحيد ، والعمل بما أمر به ، والانتهاء عما نهى عنه ، والتصديق برسله ، والبشارة بمحمد (ص). ووجه الإحتجاج عليهم بذلك وإن كان أخذ الميثاق على آبائهم انهم عرفوا ذلك في كتبهم ، وأقرّوا بصحته ، فالحجة لازمة لهم ، وعتب المخالفة يلحقهم كما يلحق آباءهم (وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ) أي مما لا تهوى أنفسهم ، أي بما لا يوافق مرادهم (فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) أي كذبوا طائفة وقتلوا طائفة فإن قيل : لم عطف المستقبل على الماضي ، فجوابه : ليدل على أن ذلك من شأنهم ففيه معنى كذبوا وقتلوا ويكذبون ويقتلون ، مع ان قوله : يقتلون فاصلة يجب أن يكون موافقا لرؤوس الآي ، ويمكن أن يقال : التقدير فيه : فريقا كذبوا لم يقتلوه ، وفريقا كذبوا يقتلون وقد ذكرنا تفسير الفريقين في سورة البقرة عند قوله ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (وَحَسِبُوا) أي وظنّوا (أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي عقوبة على قتلهم وتكذيبهم ، يريد : وظنوا ان الله لا يعذبهم عن عطاء عن ابن عباس وقيل : حسب القوم ان لا يكون بليّة عن قتادة والحسن والسدّي. وقيل : فتنة : أي شدّة وقحط عن مقاتل ، والكل متقارب وقيل : وحسبوا بفعلهم غير فاتن لهم ، وذلك أنهم كانوا يقولون : نحن أبناء الله وأحباؤه (فَعَمُوا وَصَمُّوا) عن الحق ، على التشبيه بالأعمى والأصم لأنه لا يهتدي إلى طريق الرشد في الدين لإعراضه عن النظر ، كما لا يهتدي هذا إلى طريق الرشد في الدنيا لأجل عماه وصممه (ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ) يريد أن فريقا منهم تابوا فتاب الله عليهم (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا) أي عادوا إلى ما كانوا عليه يريد : فلما انقضت تلك القرون ، ونشأت قرون أخر تخلقوا بأخلاق آبائهم فعموا عن الحق ، وصموا عن استماعه (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) أراد بكثير منهم من كان في عصر نبينا (ص) (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) أي عليم بأعمالهم ، وهذا كالوعيد لهم.
٧٢ ـ ٧٤ ـ ثم عاد تعالى إلى ذكر النصارى فقال : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) وهذا مذهب اليعقوبية منهم لأنهم قالوا : ان الله اتحد بالمسيح اتحاد الذات فصارا شيئا واحدا ، وصار الناسوت لاهوتا وذلك قولهم : انه الإله (وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) أي خالقي وخالقكم ، ومالكي ومالككم ، وإني وإياكم عبيده (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) أي بأن يزعم أن غيره يستحق العبادة (فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) معناه : فإن الله يمنعه الجنة (وَمَأْواهُ) أي مصيره (النَّارُ) وهذا كله إخبار من المسيح لقومه (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) معناه : لا ناصر لهم