يقومان مقام الخائنين اللذين عثر على خيانتهما ، ومعنى الأوليين الأقربان إلى الميت (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما) أي شهادتنا وقولنا في وصية صاحبنا أحق بالقبول والصدق من شهادتهما وقولهما وقيل : يريد به فيقولان : والله ليميننا خير من يمينهما ، وسميت اليمين هاهنا شهادة لأن اليمين كالشهادة على ما يحلف عليه أنه كذلك (وَمَا اعْتَدَيْنا) أي ما جاوزنا الحق فيما قلنا من أن شهادتنا أحق من شهادتهما (إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) تقديره : إنا إن اعتدينا لمن جملة الظالمين لنفوسنا ثم بيّن سبحانه وجه الحكمة في استحلاف الشهود فقال : (ذلِكَ أَدْنى) أي ذلك الإحلاف والإقسام ، أو ذلك الحكم أقرب إلى (أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها) أي حقها وصدقها ، لا يكتمون شيئا ولا يزيدون شيئا ، لأن اليمين تردع عن أمور كثيرة لا يرتدع عنها مع عدم اليمين (أَوْ يَخافُوا) أي أقرب إلى أن يخافوا (أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ) إلى أولياء الميت (بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم فيفتضحوا ويغرموا ، فربما لا يحلفون كاذبين ، ويتحفظون في الشهادة مخافة رد اليمين والشهادة إلى المستحق عليهم (وَاتَّقُوا اللهَ) أن تحلفوا أيمانا كاذبة ، أو تخونوا أمانة (وَاسْمَعُوا) الموعظة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) إلى ثوابه وجنته.
١٠٩ ـ (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) هو كقوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) والمعنى : اتقوا عقاب يوم يجمع الله فيه الرسل (فَيَقُولُ) لهم (ما ذا أُجِبْتُمْ) أي ما الذي أجابكم قومكم فيما دعوتموهم إليه ، وهذا تقرير في صورة الاستفهام على وجه التوبيخ للمنافقين عند إظهار فضيحتهم على رؤوس الأشهاد (قالُوا لا عِلْمَ لَنا) فيه أقوال (أولها) : لا علم لنا كعلمك لأنك تعلم باطنهم وانا لا نعلم غيبهم وباطنهم ، وذلك هو الذي يقع عليه الجزاء (وثانيها) : لا علم لنا إلا ما علمتنا فحذف لدلالة الكلام عليه (وثالثهما) : أن المراد به تحقيق فضيحتهم ، أي أنت أعلم بحالهم منا ولا تحتاج من ذلك إلى شهادتنا (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) المراد : أنت تعلم ما غاب وما بطن ، ونحن إنما نعلم ما نشاهد. وفي هذه الآية دلالة على إثبات المعاد والحشر والنشر.
١١٠ ـ لما عرّف سبحانه يوم القيامة بما وصفه به من جمع الرسل فيه عطف عليه بذكر المسيح فقال : (إِذْ قالَ اللهُ) ومعناه : إذ يقول الله في الآخرة (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) وهذا إشارة إلى بطلان قول النصارى لأنّ من له أمّ لا يكون إلها (اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ) أي اذكر ما أنعمت به عليك وعلى أمّك واشكره ، أفرد النعمة في اللفظ ويريد به الجمع كما قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) ، وإنما جاز ذلك لأنه مضاف فصلح للجنس ثم فسر نعمته بأن قال : (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ) وهو جبرائيل (ع) ، وقد مضى تفسيره في سورة البقرة عند قوله : (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) أي في حال ما كنت صبيا في المهد ، وفي حال ما كنت كهلا (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ) قيل الكتابة يعني الخط (وَالْحِكْمَةَ) أي العلم والشريعة (وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي) أي واذكر ذلك أيضا إذ تصور الطين كهيئة الطير الذي تريد ، أي كخلقته وصورته وقوله : بإذني : أي تفعل ذلك بإذني وأمري (فَتَنْفُخُ فِيها) أي تنفخ فيها الروح ، لأن الروح جسم يجوز أن ينفخه المسيح بأمر الله (فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) إذا نفخ المسيح فيها الروح قلبها الله لحما ودما ، ويخلق فيها الحياة فصارت طائرا بإذن الله ، أي بأمره وإرادته لا بفعل المسيح (وَتُبْرِئُ) أي تصحح (الْأَكْمَهَ) الذي ولد أعمى (وَالْأَبْرَصَ) من به برص مستحكم (بِإِذْنِي) أي بأمري ومعناه : انك تدعوني حتى أبرىء الأكمه والأبرص ، ونسب ذلك إلى المسيح لما كان