تَوَفَّتْهُ) أي تقبض روحه (رُسُلُنا) يعني أعوان ملك الموت (وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) لا يغفلون ولا يتوانون. ثم بيّن سبحانه أن هؤلاء الذين تتوفاهم رسله يرجعون إليه فقال : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ) أي إلى الموضع الذي لا يملك الحكم فيه إلّا هو (مَوْلاهُمُ الْحَقِ) قد مرّ معناه عند قوله : (أَنْتَ مَوْلانا) ، والحق اسم من أسماء الله تعالى ، والمعنى : أن أمره كله حق لا يشوبه باطل ، وجد لا يجاوزه هزل (أَلا لَهُ الْحُكْمُ) أي القضاء فيهم يوم القيامة لا يملك الحكم في ذلك اليوم سواه ، كما قد يملك الحكم في الدنيا غيره بتمليكه إياه (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) أي إذا حاسب فحسابه سريع ، لا يشغله محاسبة أحد عن محاسبه غيره ، وروي عن أمير المؤمنين (ع) أنه سأل كيف يحاسب الله الخلق ولا يرونه؟ قال : كما يرزقهم ولا يرونه ؛ وروي أنه سبحانه يحاسب جميع عباده على مقدار حلب شاة ، وهذا يدل على انه لا يشغله محاسبة أحد عن محاسبة غيره (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفّار (مَنْ يُنَجِّيكُمْ) أي يخلصكم (مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) من شدائدهما وأهوالهما (تَدْعُونَهُ) عند معاينة هذه الأهوال (تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) أي علانية وسرا (لَئِنْ أَنْجانا) أي في أي شدة وقعتم قلتم : لئن أنجيتنا (مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) لإنعامك علينا (قُلِ) يا محمد (اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) أي ينعم عليكم بالنجاة والفرج ويخلصكم الله من كل غم (ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) بالله تعالى بعد قيام الحجة عليكم.
٦٥ ـ (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار (هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ) أي يرسل (عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) عذابا من فوقكم : عنى به الصيحة والحجارة والطوفان والريح كما فعل بعاد وثمود وقوم شعيب وقوم لوط ، أو من تحت أرجلكم : عنى به الخسف كما فعل بقارون (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) يضرب بعضكم ببعض بما يلقيه بينكم من العداوة والعصبية (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) ومعناه : يقتل بعضكم بعضا حتى يفني بعضكم بعضا ، ثم أكد سبحانه الإحتجاج عليهم (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) أي انظر يا محمد كيف نردد الآيات ونظهرها مرة بعد أخرى بوجوه أدلتها حتى تزول الشبه (لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) أي لكي يعلموا الحق فيتبعوه ، والباطل فيجتنبوه.
٦٦ ـ ٦٧ ـ (وَكَذَّبَ بِهِ) أي بما نصرف من الآيات وقال الأزهري : الهاء يعود إلى القرآن (قَوْمُكَ) يعني قريش والعرب (وَهُوَ الْحَقُ) أي القرآن ، أو تصريف الآيات حقّ ، بمعنى أنه يدل على الحق ، ثم بيّن سبحانه أن عاقبة تكذيبهم يعود عليهم فقال : (قُلْ) يا محمد (لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أي لم أؤمر بمنعكم من التكذيب بآيات الله ، وان أحفظكم من ذلك ، وأحول بينكم وبينه ، لأن الوكيل على الشيء هو القائم بحفظه ، والذي يدفع الضرر عنه (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) أي لكل خبر من أخبار الله ورسوله حقيقة كائنة إما في الدنيا وإما في الآخرة (وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) فيه وعيد وتهديد لهم إما بعذاب الآخرة وإمّا بالحرب ، وتقديره : وسوف تعلمون ما يحل بكم من العذاب.
٦٨ ـ ٦٩ ـ ثم أمر سبحانه بترك مجالستهم عند استهزائهم بالقرآن فقال : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا) خاطب النبي (ص) ، أي إذا رأيت هؤلاء الكفار ، وقيل : الخطاب له والمراد غيره ، ومعنى يخوضون : يكذبون بآياتنا وديننا (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي فاتركهم ولا تجالسهم (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) أي يدخلوا في حديث غير الإستهزاء بالقرآن (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ) المعنى : وان أنساك الشيطان نهينا إياك عن الجلوس معهم (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى) أي بعد ذكرك نهينا ، وما يجب عليك من الإعراض (مَعَ الْقَوْمِ