الظَّالِمِينَ) يعني في مجالس الكفار والفساق الذين يظهرون التكذيب بالقرآن والآيات ، والإستهزاء بذلك (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي ليس على المؤمنين الذين اتقوا معاصي الله سبحانه من حساب الكفرة شيء بحضورهم مجلس الخوض (وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي نهوا عن مجالستهم لكي يتقي المشركون إذا رأوا اعراض هؤلاء المؤمنين عنهم ، وتركهم مجالستهم ، فلا يعودون لذلك. وقيل معناه : ليس على المتقين من الحساب يوم القيامة مكروه ولا تبعة ولكنه أعلمهم أنهم محاسبون ، وحكم بذلك عليهم لكي يعلموا أن الله يحاسبهم فيتقوا.
٧٠ ـ ثم عاد تعالى إلى وصف من تقدم ذكرهم من الكفار فقال : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) أي دعهم واعرض عنهم ، وإنما أراد به اعراض انكار لأنه قال بعد ذلك : وذكر ، يريد دع ملاطفتهم ومجالستهم ، ولا تدع مذاكرتهم ودعوتهم ، ونظيره في سورة النساء : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ) (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) يعني به اغتروا بحياتهم (وَذَكِّرْ بِهِ) أي عظ بالقرآن (أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ) أي لكي لا تسلم نفس للهلكة بما كسبت : أي بما عملت وقيل : ان معنى تبسل تؤخذ وقيل : تسلم إلى خزنة جهنم وقيل : تجازى (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌ) أي ناصر ينجيها من العذاب (وَلا شَفِيعٌ) يشفع لها (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ) وإن تفد كل فداء (لا يُؤْخَذْ مِنْها) معناه : وان تقسط كل قسط في ذلك اليوم لا يقبل منها لأن التوبة هناك غير مقبولة ، وإنما تقبل في الدنيا (أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا) أي اهلكوا وقيل : اسلموا للهلكة فلا مخلص لهم وقيل : جوزوا (بِما كَسَبُوا) أي بكسبهم وعملهم (لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) أي ماء مغلي حار (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) أي بكفرهم ، يريد جزاء على كفرهم. وفيها دلالة على الوعيد العظيم لمن كانت هذه سبيله في الإستهزاء بالقرآن وبآيات الله وتحذير عن سلوك طريقتهم ، وقال الفراء : ما من أمة إلا ولهم عيد يلعبون فيه ويلهون إلا أمة محمد (ص) فإن أعيادهم صلاة ودعاء وعبادة.
٧١ ـ ثم أمر سبحانه نبيّه (ص) والمؤمنين بخطاب الكفار فقال : (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار الذين يدعون إلى عبادة الأصنام ، أو قل أيها الإنسان أو أيها السامع (أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا) ان عبدناه (وَلا يَضُرُّنا) إن تركنا عبادته (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) هذا مثل يقولون لكل خائب لم يظفر بحاجته : ردّ على عقبيه ، ونكص على عقبيه وتقديره : أنرجع القهقرى في مشيتنا؟ والمعنى : أنرجع عن ديننا الذي هو خير الأديان؟ (بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ) لا يهتدي إلى طريق وقيل معناه : دعته الشياطين إلى اتباع الهوى وقيل : أهلكته وقيل : ذهبت به عن نفطويه وقيل : أضلته عن أبي مسلم (لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا) أي إلى الطريق الواضح يقولون له : إئتنا ولا يقبل منهم ، ولا يصير إليهم لأنه قد تحيّر لاستيلاء الشيطان عليه ، يهوى ولا يهتدي. ثم أمره الله سبحانه فقال : (قُلْ) لهؤلاء الكفار (إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) أي دلالة الله لنا على توحيده وأمر دينه هو الهدى الذي يؤدي المستدل به إلى الصلاح والرشاد في دينه ، وهو الذي يجب أن نعمل عليه ، ونستدل به ، فلا نترك ذلك إلى ما تدعون إليه (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) معناه : وأمرنا أن نسلم وقيل معناه : أن نسلم أمورنا ونفوّضها إلى الله ، ونتوكل عليه فيها.
٧٢ ـ ٧٣ ـ (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي وقيل لنا : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) أي واتقوا رب العالمين ، أي تجنبوا معاصيه فتتقوا عقابه (وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي تجمعون إليه يوم