خلقني وخلقكم (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) أي نفسي (لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) أي مخلصا مائلا عن الشرك إلى الإخلاص (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
٨٠ ـ ٨١ ـ (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) أي خاصموه وجادلوه ، وخوفوه من ترك عبادة آلهتهم (قالَ) أي إبراهيم لهم : (أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ) أي وفقني لمعرفته ، ولطف بي في العلم بتوحيده ، وترك الشرك ، واخلاص العبادة له (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ) أي لا أخاف منه ضررا إن كفرت به ، ولا أرجو نفعا إن عبدته ، لأنه بين صنم قد كسر فلم يدفع عن نفسه ، ونجم دل افوله على حدوثه ، فكيف تحاجونني وتدعونني إلى عبادة من لا يخاف ضره ، ولا يرجى نفعه (إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) معناه : إلّا أن يقلب الله هذه الأصنام التي تخوفونني بها فيحييها ويقدرها فتضر وتنفع ، فيكون ضررها ونفعها إذ ذاك دليلا على حدوثها أيضا ، وعلى توحيد الله ، وعلى أنه المستحق للعبادة دون غيره ، وأنه لا شريك له في ملكه ، ثم أثنى على الله سبحانه فقال : (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) أي هو عالم بكل شيء ، ثم أمرهم بالتذكر والتدبر فقال : (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) ثم احتج عليهم وأكّد الحجاج بقوله : (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ) أي كيف تلزمونني أن أخاف ما أشركتم به من الأوثان المخلوقة وقد تبين حالهم في أنهم لا يضرون ولا ينفعون؟ (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ) أي ولا تخافون القادر على الضر والنفع جعلتم له شركاء في ملكه تعبدونهم من دونه (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً) أي حجة على صحته (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ) أنحن وقد عرفنا الله بادلته ، ووجهنا العبادة نحوه ، أم أنتم وقد أشركتم بعبادة غيره من الأصنام؟ (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي تستعملون عقولكم وعلومكم فتميزون الحق من الباطل ، والدليل من الشبهة.
٨٢ ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) معناه : الذين عرفوا الله تعالى ، وصدقوا به وبما أوجبه عليهم ، ولم يخلطوا ذلك بظلم ، والظلم : هو الشرك (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) من الله بحصول الثواب والأمان من العقاب (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) أي محكوم لهم بالإهتداء إلى الحق والدين وقيل : إلى الجنة.
٨٣ ـ ٨٧ ـ ثمّ بين سبحانه أن الحجج التي ذكرها إبراهيم (ع) لقومه آتاه إياها ، واعطاها إياها ، بمعنى أنه هداه لها ، وأنه احتج بها بأمره فقال : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا) أي أدلتنا (آتَيْناها) أي أعطيناها (إِبْراهِيمَ) وأخطرناها بباله ، وجعلناها حججا (عَلى قَوْمِهِ) من الكفار حتى تمكن من إيرادها عليهم عند الحاجة (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) من المؤمنين الذين يصدقون الله ورسوله ويطيعونه ، ونفضل بعضهم على بعض بحسب أحوالهم في الإيمان واليقين (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) يجعل التفاوت بينهم على ما توجبه حكمته ، ويقتضيه علمه (وَوَهَبْنا لَهُ) أي لإبراهيم (إِسْحاقَ) وهو ابنه من سارة (وَيَعْقُوبَ) ابن إسحاق (كُلًّا هَدَيْنا) أي كل الثلاثة فضلنا بالنبوة (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ) أي من قبل هؤلاء (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) أي من ذرية نوح (داوُدَ) وهو داود بن إيشا (وَسُلَيْمانَ) ابنه (وَأَيُّوبَ) وهو أيوب بن اموص بن رازج بن روم بن عيصا بن إسحاق بن إبراهيم (وَيُوسُفَ) بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (وَمُوسى) بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب (وَهارُونَ) أخاه وكان أكبر منه بسنة (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) بنيل الثواب والكرامات (وَزَكَرِيَّا) وهو زكريا بن أذن بن بركيا (وَيَحْيى) وهو إبنه (وَعِيسى) وهو ابن مريم بنت عمران (وَإِلْياسَ)