لكم (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) متتابعين بعضهم في أثر بعض (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) : معناه : وما جعله الله الإمداد بالملائكة إلّا بشرى لكم بالنصر ، ولتسكن به قلوبكم وتزول الوسوسة عنها ، وإلّا فملك واحد كاف للتدمير عليهم كما فعل جبريل (ع) بقوم لوط فأهلكهم بريشة واحدة (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) معناه : انه لم يكن النصر من قبل الملائكة وإنما كان من قبل الله لأنهم عباده ينصر بهم من يشاء كما ينصر بغيرهم (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يمنع عن مراده (حَكِيمٌ) في أفعاله يجريها على ما تقتضيه الحكمة (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ) قد ذكرنا تفسيره عند قوله : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) ، والنعاس : أول النوم قبل أن يثقل (أَمَنَةً) أي أمانا (مِنْهُ) من الله ، فإن الإنسان لا يأخذه النوم في حال الخوف ، فآمنهم الله تعالى بزوال الرعب عن قلوبهم كما يقال : الخوف مسهر ، والأمن منيم ، والأمنة : الدعة التي تنافي المخافة ، وأيضا فإنه قواهم بالاستراحة على القتال (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي مطرا (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) وذلك لأن المسلمين قد سبقهم الكفار إلى الماء فنزلوا على كثيب رمل ، وأصبحوا محدثين ومجنبين ، وأصابهم الظمأ ، ووسوس اليهم الشيطان فقال : إن عدوكم قد سبقكم إلى الماء ، وأنتم تصلون مع الجنابة والحدث ، وتسوخ أقدامكم في الرمل ، فمطرهم الله حتى اغتسلوا به من الجنابة ، وتطهروا به من الحدث ، وتلبدت به أرضهم ، واوحلت أرض عدوهم (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) أي وسوسته بما مضى ذكره ، وقيل معناه : ويذهب عنكم وسوسته بقوله : ليس لكم بهؤلاء طاقة (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) أي وليشد على قلوبكم ، ومعناه : يشجع قلوبكم ، ويزيدكم قوة قلب ، وسكون نفس ، وثقة بالنصر (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) أي أقدامكم في الحرب بتلبد الرمل وقيل : بالصبر وقوة القلب (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ) يعني الملائكة الذين أمدّ بهم المسلمين ، أي أني معكم بالمعونة والنصرة كما يقال : فلان مع فلان على فلان (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) يعني بشروهم بالنصر ، وكان الملك يسير أمام الصف في صورة الرجل ويقول : أبشروا فإن الله ناصركم (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) أي الخوف من أوليائي (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) يعني الرؤوس لأنها فوق الأعناق ، يريد كل هامة وجمجمة ، وجائز أن يكون هذا أمرا للمؤمنين ، وجائز أن يكون أمرا للملائكة وهو الظاهر (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) يعني الأطراف من اليدين والرجلين (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) معناه : ذلك العذاب لهم ، والأمر بضرب الأعناق والأطراف ، وتمكين المسلمين منهم ، بسبب أنهم خالفوا الله ورسوله. ثم أوعد المخالف فقال : (وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) في الدنيا بالإهلاك ، وفي الآخرة بالتخليد في النار (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ) أي هذا الذي أعددت لكم من الأسر والقتل في الدنيا فذوقوه عاجلا (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ) آجلا في المعاد (عَذابَ النَّارِ) قال الحسن : ذلكم حكم الله فذوقوه في الدنيا ، وإن لكم ولسائر الكافرين في الآخرة عذاب النار.
١٥ ـ ١٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) قيل : إنه خطاب لأهل بدر وقيل : هو عام (إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) أي متدانين لقتالكم معناه : إذا واقفتموهم للقتال (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) يعني فلا تجعلوا ظهوركم مما يليهم ، أي فلا تنهزموا (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) أي ومن يجعل ظهره إليهم يوم القتال ، ووجهه إلى جهة الانهزام ، وأراد بقوله : يومئذ : ذلك الوقت (إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) أي إلا تاركا موقفا إلى موقف آخر أصلح