للقتال من الأول (أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) أي منحازا منضما إلى جماعة من المسلمين يريدون العود إلى القتال ليستعين بهم (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) رجع بغضب من الله (وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ) أي مرجعه إلى جهنم (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) وأكثر المفسرين على أن هذا الوعيد خاص بيوم بدر خاصة ، ولم يكن لهم يومئذ أن ينحازوا لأنه لم يكن يومئذ في الأرض فئة للمسلمين (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) وإنما نفى القتل عمن هو فعله على الحقيقة ونسبه إلى نفسه وليس بفعل له من حيث كانت أفعاله تعالى كالسبب لهذا الفعل والمؤدي إليه من إقداره إيّاهم ، ومعونته لهم ، وتشجيع قلوبهم (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) خطاب للنبي ، ذكر جماعة من المفسرين كابن عباس وغيره : أن جبرائيل (ع) قال للنبي (ص) يوم بدر : خذ قبضة من تراب فارمهم بها فقال رسول الله (ص) لما التقى الجمعان لعلي : اعطني قبضة من حصى الوادي فناوله كفا من حصى عليه تراب فرمى به في وجوه القوم وقال : شاهت الوجوه ، فلم يبق مشرك إلّا دخل في عينه وفمه ومنخريه منها شيء ، ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ، وكانت تلك الرمية سبب هزيمة القوم (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) أي ولينعم به نعمة حسنة ، أي فعل ذلك انعاما على المؤمنين (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لدعائكم (عَلِيمٌ) بأفعالكم وضمائركم ، وإنما يقال للنعمة بلاء كما يقال للمضرة : بلاء ، لأنّ أصل البلاء ما يظهر به الأمر من الشكر والصبر ، فيبتلي سبحانه عباده : أي يختبرهم بالنعم ليظهر شكرهم عليها ، وبالمحن والشدائد ليظهر عندها الصبر الموجب للأجر.
١٨ ـ ٢١ ـ (ذلِكُمْ) إشارة إلى بلاء المؤمنين (وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) بإلقاء الرعب في قلوبهم ، وتفريق كلمتهم (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) قيل : إنه خطاب للمشركين فإن أبا جهل قال يوم بدر حين التقى الفئتان اللهم ربنا ديننا القديم ودين محمد الحديث ، فأي الدينين كان أحب إليك ، وأرضى عندك فانصر أهله اليوم (وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أي تمتنعوا من الكفر وقتال الرسول والمؤمنين (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) معناه : وإن تعودوا أيها المشركون إلى قتال المسلمين نعد بأن ننصرهم عليكم ، ونأمرهم بقتالكم (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً) أي ولن تدفع عنكم جماعتكم شيئا (وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصر ، والحفظ ، يمكنهم منكم ، وينصرهم عليكم ، ثم أمر سبحانه بالطاعة التي هي سبب النصرة فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) خص المؤمنين بطاعة الله ورسوله وإن كانت واجبة على غيرهم أيضا لأنه لم يعتد بغيرهم لإعراضهم عما وجب عليهم (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) أي ولا تعرضوا عن رسول الله (ص) (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) دعاءه لكم ، وأمره ونهيه إياكم (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) في الكلام حذف ومعناه : ولا تكونوا كهم في قولهم هذا المنكر ، فحذف المنهي عنه لدلالة الحال عليه ، وفي ذلك غاية البلاغة ومعنى قولهم : سمعنا وهم لا يسمعون : أنهم سمعوه سماع عالم قابل له وليسوا كذلك.
٢٢ ـ ٢٣ ـ ثم ذمّ سبحانه الكفار فقال : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِ) أي شرّ من دبّ على وجه الأرض من الحيوان (عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) يعني هؤلاء المشركين الذين لم ينتفعوا بما يسمعون من الحق ، ولا يتكلمون به ولا يعتقدونه ولا يقرّون به ، فكأنهم صمّ بكم لا يتفكرون أيضا فيما يسمعون ، فكأنهم لم ينتفعوا بعقولهم أيضا وصاروا كالدواب