(وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) ولو علم الله فيهم قبولا للهدى ، وأقبالا على طلب الحق لأسمعهم الجواب عن كل ما سألوا (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) أي لأعرضوا ، وفي هذا دلالة على أن الله تعالى لا يمنع أحدا من المكلفين اللطف ، وإنما لا يلطف لمن يعلم أنه لا ينتفع به.
٢٤ ـ ٢٥ ـ ثم أمر سبحانه بطاعة الرسول (ص) فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) أي اجيبوا الله والرسول فيما يأمرانكم به ، فإجابة الله والرسول طاعتهما فيما يدعوان إليه (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) قيل فيه أقوال (أحدها) أن معناه : إذا دعاكم إلى الجهاد. قال القتيبي : هو الشهادة ، فإن الشهداء أحياء عند الله تعالى وقال الجبائي : أي دعاكم إلى إحياء أمركم ، واعزاز دينكم بجهاد عدوكم مع نصر الله إياكم ، وهو معنى قول الفراء (ثانيها) ان معناه : إذا دعاكم إلى الإيمان فإنه حياة القلب ، والكفر موته عن السدّي (وثالثها) إذا دعاكم إلى القرآن ، والعلم في الدين ، لأن الجهل موت ، والعلم حياة ، وفيه النجاة والعصمة عن قتادة (ورابعها) ان معناه : إذا دعاكم إلى الجنة لما فيها من الحياة الدائمة ونعيم الأبد ، عن أبي مسلم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) أي يحول بين المرء وبين الانتفاع بقلبه بالموت ، فلا يمكنه استدراك ما فات ، فبادروا إلى الطاعات قبل الحيلولة ودعوا التسويف عن الجبائي قال : فيه حثّ على الطاعة قبل حلول المانع (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) معناه : واعلموا أنكم تحشرون : أي تجمعون للجزاء على أعمالكم يوم القيامة ، ان خيرا فخير ، وان شرا فشر (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) حذّرهم الله تعالى من هذه الفتنة وأمرهم أن يتّقوها ، فكأنه قال : اتقوا لا تقربوها فتصيبنكم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن لم يتق المعاصي.
٢٦ ـ ثم ذكر سبحانه حالتهم السالفة والضعف ، وانعامه عليهم بالنصر والتأييد والتكثير فقال : (وَاذْكُرُوا) معشر المهاجرين (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) في العدد ، وكانوا كذلك قبل الهجرة في ابتداء الإسلام (مُسْتَضْعَفُونَ) يطلب ضعفكم بتوهين أمركم (فِي الْأَرْضِ) أي في مكة (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) أي يستلبكم المشركون من العرب إن خرجتم منها وقيل : إنه يعني بالناس كفار قريش (فَآواكُمْ) أي جعل لكم مأوى ترجعون إليه ، يعني المدينة دار الهجرة (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) أي قوّاكم (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) يعني الغنائم أحلّها لكم ولم يحلها لأحد قبلكم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي لكي تشكروا.
٢٧ ـ ٢٨ ـ ثم أمرهم الله سبحانه بترك الخيانة فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) أي لا تخونوا الله بترك فرائضه ، والرسول بترك سننه وشرائعه وقيل : إن من ترك شيئا من الدين وضيّعه فقد خان الله ورسوله (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) الفرائض لا تنقصوها عن ابن عباس ، وقيل : إنهم إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم ، عن السدّي (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ما في الخيانة من الذم والعقاب (وَاعْلَمُوا) أي وتحقّقوا وأيقنوا (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) أي بلية عليكم ابتلاكم الله تعالى بها (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) لمن أطاعه وخرج إلى الجهاد ولم يخن الله ورسوله ، وذلك خير من الأموال والأولاد بيّن سبحانه بهذه الآية أنه يختبر خلقه بالأموال والأولاد ليتبيّن الراضي بقسمه ممن لا يرضى به ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم.
٢٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا أيها المؤمنون (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ) أي ان تتقوا عقاب الله باتقاء معاصيه ، واداء فرائضه