(يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) أي هداية ونورا في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل ، عن ابن جريج معناه : يجعل لكم مخرجا في الدنيا والآخرة (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) التي عملتموها (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) على خلقه بما أنعم عليهم من أنواع النعم ، فإذا ابتدأهم بالفضل العظيم من غير استحقاق كرما منه وجودا ، فإنه لا يمنعهم ما استحقوه بطاعاتهم له. وقيل معناه : إذا ابتدأ نعيم الدنيا من غير استحقاق ، فعليه اتمام ذلك بنعيم الآخرة باستحقاق وغير استحقاق.
٣٠ ـ (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي واذكر إذ يحتال الكفار في إبطال أمرك ، ويدبّرون في هلاكك وهم مشركو العرب منهم : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والنضر بن الحارث ، وأبو جهل بن هشام ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، وأمية بن خلف ، وغيرهم (لِيُثْبِتُوكَ) أي ليقيدوك ويثبتوك في الحبس (أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) من مكة إلى طرف من أطراف الأرض (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ) أي ويدبرون في أمرك ويدبر الله في أمرهم وقيل : ويحتالون في أمرك من حيث لا تشعر ، فأحل الله بهم ما أراد من عذابه من حيث لا يشعرون ، وقيل : يمكرون والله تعالى يجازيهم على مكرهم (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) لأنه لا يمكر إلّا ما هو حق وصواب ، وهو انزال المكروه بمن يستحق ، والعباد قد يمكرون مكرا هو ظلم وباطل.
٣١ ـ ٣٤ ـ ثم أخبر سبحانه عن عناد هؤلاء الكفار للحق فقال : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) من القرآن (قالُوا قَدْ سَمِعْنا) أي ادركنا بآذاننا ، فإن السماع ادراك الصوت بحاسة الأذن (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) إنما قالوا ذلك مع ظهور عجزهم عن الإتيان بسورة مثله بعد التحدي عداوة وعنادا ، وقد تحمل الإنسان شدة العداوة على أن يقول ما لا يعلم (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) معناه : ما هذه إلا أحاديث الأولين تتلوها علينا (وَإِذْ قالُوا) أي واذكر يا محمد إذا قالوا ، أي هؤلاء الكفار (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا) الذي جاء به محمد (هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) دون ما نحن عليه (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) كما امطرته على قوم لوط (أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي شديد مؤلم ، والقائل لذلك النضر بن الحارث (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) ذكر سبحانه سبب امهالهم ومعناه : وما كان الله يعذب أهل مكة بعذاب الاستئصال وأنت مقيم بين أظهرهم لفضلك وحرمتك يا محمد ، فإن الله تعالى بعثك رحمة للعالمين فلا يعذبهم إلّا بعد أن يفعلوا ما يستحقون به سلب النعمة بإخراجك عنهم (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) معناه : وما كان الله يعذبهم وفيهم بقية من المؤمنين بعد خروجك من مكة ، وذلك أن النبي (ص) لما خرج من مكة بقيت فيها بقية من المؤمنين لم يهاجروا بعذر ، وكانوا على عزم الهجرة ، فرفع الله العذاب عن مشركي مكة لحرمة استغفارهم ، فلما خرجوا أذن الله في فتح مكّة وروي عن أمير المؤمنين (ع) انه قال : كان في الأرض أمانان من عذاب الله وقد رفع أحدهما فدونكما الآخر فتمسكوا به ، وقرأ الآية (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) معناه : ولم لا يعذبهم الله ، وأي أمر يوجب ترك تعذيبه؟ (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي يمنعون عن المسجد الحرام أولياءه (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) أي وما كان المشركون أولياء المسجد الحرام (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) معناه : وما أولياء المسجد الحرام إلّا المتقون عن الحسن ، وهو المروي عن أبي جعفر عليهالسلام ، وقيل معناه : وما كانوا أولياء الله إن أولياء الله إلّا المتقون الذين يتركون معاصي الله ويجتنبونها ، والأول أحسن.
٣٥ ـ ثم وصف سبحانه صلاتهم فقال : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ