عِنْدَ الْبَيْتِ) يعني هؤلاء المشركين الصادين عن المسجد الحرام (إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) قال ابن عباس : كانت قريش يطوفون بالبيت عراة يصفرون ويصفقون ، وصلاتهم معناه : دعاؤهم ، أي يقيمون المكاء والتصدية مكان الدعاء والتسبيح (فَذُوقُوا الْعَذابَ) يعني عذاب السيف يوم بدر وقيل : عذاب الآخرة (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) بتوحيد الله.
٣٦ ـ ٣٧ ـ ثم ذكر سبحانه انفاق المشركين أموالهم في معصية الله تعالى فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) في قتال الرسول والمؤمنين (لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي ليمنعوا بذلك الناس عن دين الله الذي أتى به محمد (ص) (فَسَيُنْفِقُونَها) معناه : فسيقع منهم الانفاق لها (ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) معناه : ثم ينكشف لهم ويظهر من ذلك الانفاق ما يكون حسرة عليهم من حيث أنهم لا ينتفعون بذلك الانفاق لا في الدنيا ولا في الآخرة ، بل يكون وبالا عليهم (ثُمَّ يُغْلَبُونَ) في الحرب ، أي يغلبهم المؤمنون. وفي هذا دلالة على صحة نبوة النبي (ص) لأنه أخبر بالشيء قبل كونه فوجد على ما أخبر به (وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) أي يجمعون إلى النار بعد تحسرهم في الدنيا ، ووقوع الظفر بهم وقتلهم (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) معناه : ليميز الله نفقة الكافرين من نفقة المؤمنين (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) ويجعل نفقة المشركين بعضها فوق بعض (فَيَرْكُمَهُ) أي فيجمعه (جَمِيعاً) في الآخرة (فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ) فيعاقبهم به كما قال : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ) ، وقيل : ويجعل الخبيث بعضه على بعض في جهنم يضيقها عليهم ليركمه جميعا (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) قد خسروا أنفسهم لأنهم اشتروا بانفاق الأموال في المعصية عذاب الله في الآخرة.
٣٨ ـ ٤٠ ـ ثم أمر سبحانه نبيه (ص) بدعائهم إلى التوبة والإيمان فقال : (قُلْ) يا محمد (لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا) أي يتوبوا عما هم عليه من الشرك ويمتنعوا منه (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) أي ما قد مضى من ذنوبهم (وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) معناه : وان يعودوا إلى القتال ، وأصروا على الكفر ، فقد مضت سنة الله في آبائكم ، وعادته في نصر المؤمنين وكبت أعداء الدين والأسر والاسترقاق (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) هذا خطاب للنبي (ص) والمؤمنين بأن يقاتلوا الكفار حتى لا تكون فتنة ، أي شرك (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الكفر (فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) معناه : فإن رجعوا عن الكفر وانتهوا عنه فإن الله يجازيهم بأعمالهم مجازاة البصير بها : باطنها وظاهرها لا يخفى عليه منها شيء (وَإِنْ تَوَلَّوْا) عن دين الله وطاعته (فَاعْلَمُوا) أيها المؤمنون (أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) أي ناصركم وسيدكم وحافظكم (نِعْمَ الْمَوْلى) أي نعم السيد والحافظ (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) هو ينصر المؤمنين ويعينهم على طاعته ، ولا يخذل من هو ناصره.
٤١ ـ ثم بيّن سبحانه حكم الغنيمة فقال مخاطبا للمسلمين : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي مما قلّ أو كثر (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) وهو ان يقسم على ستة أسهم : فسهم لله ، وسهم للرسول ، وهذان السهمان مع سهم ذي القربى للإمام القائم مقام الرسول (ص) ، وسهم ليتامى آل محمد ، وسهم لمساكينهم ، وسهم لأبناء سبيلهم لا يشركهم في ذلك غيرهم ، لأن الله سبحانه حرّم عليهم الصدقات لكونها أوساخ الناس ، وعوّضهم من ذلك. نعود للآية (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) افتتح الكلام بالله على جهة التيمن والتبرك لأن الأشياء كلها له عزوجل والمراد به مصروف إلى الجهات المقربة إلى الله تعالى (وَلِلرَّسُولِ) قالوا : كان للنبي (ص) سهم من خمسة أسهم يصرفه في مؤنته ، وما فضل من ذلك يصرفه إلى الكراع والسلاح والمصالح (وَلِذِي الْقُرْبى) لبني هاشم وبني المطلب (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) يختص باليتامى من بني هاشم ، ومساكينهم ، وابناء سبيلهم