(إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) أي وآمنتم بما انزلنا على محمد من القرآن ، وقيل : من النصر ، أي علمتم أن ظفركم على عدوكم كان بنا يوم الفرقان : يعني يوم بدر ، لأن الله تعالى فرّق فيه بين المسلمين والمشركين باعزاز هؤلاء ، وقمع أولئك. يوم التقى الجمعان. جمع المسلمين وهم ثلثمائة وبضعة عشر رجلا ، وجمع الكافرين وهم بين تسعمائة إلى الف من صناديد قريش ورؤسائهم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قد مرّ تفسيره في سورة البقرة.
٤٢ ـ ٤٤ ـ (إِذْ أَنْتُمْ) أيها المسلمون (بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) قال ابن عباس : يريد : والله قدير على نصركم وأنتم أذلة ، إذ أنتم نزول بشفير الوادي الأقرب إلى المدينة (وَهُمْ) يعني المشركين أصحاب النفير (بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) أي نزول بالشفير الاقصى من المدينة (وَالرَّكْبُ) يعني أبا سفيان وأصحابه وهم العير (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أي في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) معناه : لو تواعدتم أيها المسلمون للاجتماع في الموضع الذي اجتمعتم فيه ، ثم بلغكم كثرة عددهم مع قلة عددكم لتأخرتم فنقضتم الميعاد (وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) معناه : ولكن قدّر الله تعالى التقاءكم ، وجمع بينكم وبينهم على غير ميعاد منكم ، ليقضي الله أمرا كان كائنا لا محالة ، وهو : اعزاز الدين وأهله ، وإذلال الشرك وأهله ، ومعنى ليقضي : ليتمّ أمرا كان في علمه مفعولا لا محالة من إظهار الإسلام واعلاء كلمته على عبدة الأصنام (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) أي فعل ذلك ليموت من مات منهم بعد قيام الحجة عليه بما رأى من المعجزات الباهرة للنبي (ص) في حروبه وغيرها ، ويعيش من عاش منهم بعد قيام الحجة عليه (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ) لأقوالهم (عَلِيمٌ) بما في ضمائرهم فهو يجازيهم بحسب ما يكون منهم (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ) العامل في إذ ما تقدّم وتقديره : أتاكم النصر إذ كنتم بشفير الوادي إذ يريكهم الله ، وقيل : العامل فيه محذوف وتقديره : واذكر يا محمد إذ يريكهم الله ، أي يريك الله يا محمد هؤلاء المشركين الذين قاتلوكم يوم بدر (فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) معناه : يريكهم الله في نومك قليلا لتخبر المؤمنين بذلك فيجترىء المؤمنون (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) أي سلّم المؤمنين عن الفشل والتنازع ، واختلاف الكلمة (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بما في قلوبكم ، يعلم أنكم لو علمتم كثرة عدوكم لرغبتم عن القتال (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) قلّل الله المشركين في أعين المؤمنين ليشتدّ بذلك طمعهم فيهم ، وجرأتهم عليهم ، وقلّل المؤمنين في أعين المشركين لئلا يتأهبوا لقتالهم (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) وقد وردت الرواية عن ابن مسعود قال : قلت لرجل بجنبي : أتراهم سبعين رجلا؟ فقال : هم قريب من مائة (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) إنما كرّره سبحانه مع ذكره في الآية الأولى لتكرر الفائدة ، لأن المعنى في الآية الاولى : جمعكم من غير ميعاد ليقضي الله أمرا كان مفعولا من الإلتقاء على ذلك الصفة ، والمعنى هنا : انه قلّل كل فريق في عين صاحبه ليقضي أمرا كان مفعولا من اعزاز الدين بجهادكم (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) مرّ معناه.
٤٥ ـ ٤٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً) أي جماعة كافرة (فَاثْبُتُوا) لقتالهم ولا تنهزموا (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) مستعينين به على قتالهم ، ومتوقعين النصر من قبله عليهم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي لكي تفلحوا وتنجحوا بالنصر والظفر بهم ، وبالثواب عند الله يوم القيامة (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ)