أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) أي بوحينا اليك (هذَا الْقُرْآنَ) إنما سمي القرآن أحسن القصص لأنه بلغ النهاية في الفصاحة ، وحسن المعاني ، وعذوبة الألفاظ ، مع التلاؤم المنافي للتنافر ، والتشاكل بين المقاطع والفواصل (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) معناه : وما كنت من قبل نزول القرآن عليك إلا من الغافلين عن الحكم التي في القرآن لا تعلم شيئا منها.
٤ ـ ٦ ـ ثم ابتدأ سبحانه بقصة يوسف (ع) فقال : (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ) يعقوب (ع) وهو إسرائيل الله ومعناه : عبد الله الخالص ابن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل الله (يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) أي رأيت في منامي (قالَ) يعقوب (يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) أي لا تخبرهم بذلك (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) أي فيحسدوك أو يقابلوك بما فيه هلاكك ، وذلك أن رؤيا الأنبياء وحي ، وعلم يعقوب أن إخوة يوسف يعرفون تأويلها ويخافون علوّ يوسف فيحسدونه ، ويبغونه الغوائل (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي ظاهر العداوة ، فيلقي بينهم العداوة ، ويحملهم على إنزال المكروه بك (وَكَذلِكَ) أي كما أريك هذه الرؤيا تكرمة لك ، وبيّن ان إخوتك يخضعون لك أو يسجدون لك (يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) أي يصطفيك ربك ويختارك للنبوة (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) معناه : ويعلمك تأويل أحاديث الأنبياء والأمم ، يعني كتب الله ودلائله على توحيده ، والمشروع من شرائعه وأمور دينه (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بالنبوة لأنها منتهى نعيم الدنيا (وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) أي وعلى إخوتك بأن يثبتهم على الإسلام ، ويشرفهم بمكانك ، ويجعل فيهم النبوة (كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) أي كما أتم النعمة على إبراهيم بالخلة والنبوة والنجاة من النار ، وعلى إسحاق بإخراج يعقوب وأولاده من صلبه (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ) بمن يصلح للرسالة (حَكِيمٌ) في اختيار الرسل.
٧ ـ ١٠ ـ ثم أنشأ سبحانه في ذكر قصة يوسف فقال : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) ومعناه : لقد كان في حديث يوسف وإخوته عبر للسائلين عنهم وأعاجيب فمنها : أنهم نالوه بالأذى ، ودبّروا في قتله ، واجتمعوا على القائه في البئر للحسد مع إنهم أولاد الأنبياء ، فصفح عنهم عليهالسلام لما مكّنه الله منهم ، وأحسن إليهم ، فصفح عنهم عليهالسلام لما مكّنه الله منهم ، وأحسن إليهم ، ولم يعيرهم بما كان منهم وهذا خارج عن العادة ، وفيه عبرة لمن اعتبر فيها في منافع الدين ومنها : الفرج بعد الشدة ، والمنحة بعد المحنة ، ومنها : الدلالة على صحة نبوة نبينا محمد (ص) لأنه (ع) لم يقرأ كتابا علم أنه لم يأته ذلك إلا من جهة الوحي ، فهو بصيرة للذين سألوه أن يخبرهم بذلك ، ومعجزة دالة على صدقه (إِذْ قالُوا) أي قال بعضهم لبعض (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ) لأبيه وأمه بنيامين (أَحَبُّ إِلى أَبِينا) يعقوب (مِنَّا) وذلك أن يعقوب (ع) كان يرحمه وأخاه ويقرّبهما لصغرهما (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) معناه ونحن جماعة يتعصب بعضنا لبعض ، ويعين بعضنا بعضا ، أي فنحن أنفع لأبينا (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) في خطأ من الرأي في أمور الأولاد والتدبير الدنيوي ، ونحن أقوم بأمور مواشيه وأمواله وسائر أعماله ، ولم يريدوا به الضلال عن الدين لأنهم بالإتفاق كانوا على دينه ، وكانوا يعظمونه غاية التعظيم ولذلك طلبوا محبته ؛ واصل الضلال العدول ، وكل من ذهب وعدل عنه فقد ضل وروى ابن بابويه في كتاب النبوة بإسناده عن حنان بن سدير قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام : أكان أولاد يعقوب أنبياء؟ فقال : لا ولكنهم كانوا أسباطا أولادا لأنبياء ، ولم يفارقوا الدنيا إلا سعداء ، تابوا وتذكروا ما صنعوا ، وقال الحسن : كانوا رجالا بالغين وقعت ذلك منهم صغيرة ثم أخبر سبحانه عنهم أنهم قال بعضهم لبعض (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) أي اطرحوه في أرض بعيدة عن أبيه فلا يهتدي إليه (يَخْلُ لَكُمْ