وَجْهُ أَبِيكُمْ) عن يوسف وتخلص لكم محبته (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) والمعنى : أنكم إذا فعلتم ذلك وبلغتم أغراضكم تبتم مما فعلتموه وكنتم من جملة الصالحين الذين يعملون الصالحات (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) أي من اخوة يوسف (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) أي ألقوه في قعر البئر يتناوله بعض مارة الطرق والمسافرين فيذهب به إلى ناحية أخرى (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) معناه : إن كنتم فاعلين شيئا مما تقولون في يوسف فليكن هذا فعلكم ، فإنه دون القتل الصريح. وقيل للحسن : أيحسد المؤمن؟ قال : ما أنساك حديث بني يعقوب.
١١ ـ ١٢ ـ ثم بيّن سبحانه أنهم عند اتفاق آرائهم فيما تآمروا فيه من أمر يوسف كيف سألوا أباهم ف (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) أي ما لك لا تثق بنا ولا تعتمدنا في أمر يوسف (وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) أي مخلصون في إرادة الخير به. وفي هذا دلالة على أنه عليهالسلام كان يأبى عليهم أن يرسله معهم (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً) أي إلى الصحراء (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) أي نذهب ونجيء وننشط ونلهو (وَإِنَّا لَهُ) أي ليوسف (لَحافِظُونَ) أي نحفظه لنرده إليك.
١٣ ـ ١٨ ـ ثم أخبر سبحانه أنهم لما أظهروا النصح والشفقة على يوسف همّ يعقوب أن يبعثه معهم ، وحثّهم على حفظه فقال : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي) أي يغمّني (أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) معناه : يحزنني مفارقته إياي (وَأَخافُ) عليه إذا ذهبتم به إلى الصحراء (أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) وتقديره : أخاف أن يأكله الذئب في حال كونكم ساهين عنه ، مشغولين ببعض أشغالكم. قالوا : وكانت أرضهم مذأبة وقيل : ان يعقوب رأى في منامه كأن يوسف قد شدّ عليه عشرة أذؤب ليقتلوه ، وإذا ذئب منها يحمي عنه ، فكأن الأرض انشقت فدخل فيها يوسف فلم يخرج منها إلا بعد ثلاثة أيام (قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) أي جماعة متعاضدون متناصرون نرى الذئب قد قصده ولا نمنعه منه (إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) معناه : إنا إذا عجزة ضعفة (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا) أي عزموا جميعا (أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) أي قعر البئر فدلّوه حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت ، وكان في البئر ماء فسقط فيه ، ثم آوى إلى صخرة فقام عليها وقيل : كان الماء كدرا فصفا وعذب ووكل الله به ملكا يحرسه ويطعمه عن الصادق (ع) قال : لما ألقى اخوة يوسف يوسف في الجب نزل عليه جبرئيل فقال له : يا غلام من طرحك هنا؟ فقال : إخوتي لمنزلتي من أبي حسدوني ، ولذلك في الجب طرحوني فقال : أتحب أن تخرج من هذا الجب؟ قال : ذلك إلى إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب فقال له جبرئيل : فإن إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب يقول لك قل : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلّا أنت بديع السموات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تجعل لي في أمري فرجا ومخرجا ، وترزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب ، فجعل الله له من الجب يومئذ فرجا ومخرجا ، ومن كيد المرأة مخرجا ، وآتاه ملك مصر من حيث لم يحتسب (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) يعني إلى يوسف (ع) (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا) أي لتخبرنهم بقبيح فعلهم بعد هذا الوقت ، يريد ما ذكره سبحانه في آخر السورة من قوله : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنك يوسف فقال (وَجاؤُ أَباهُمْ) يعني وانقلب إخوة يوسف إلى أبيهم (عِشاءً) أي ليلا ليلبسوا على أبيهم ، وليكونوا أجرأ على الإعتذار (يَبْكُونَ) وإنما أظهروا البكاء ليوهموا أنهم صادقون. وفي هذا دلالة على أن البكاء لا يوجب صدق دعوى الباكي في دعواه (قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) أي نشتد ونعدو على الاقدام لننظر أينا أعدى وأسبق لصاحبه عن الجبائي والسدي ، وقيل معناه : ننتصل ونترامى فننظر أي السهام أسبق إلى الغرض ، عن الزجاج (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا) أي تركناه عند الرحل ليحفظه (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) أي ما أنت بمصدق لنا (وَلَوْ كُنَّا