الله سبحانه بهلاك قرية إلا وفي المعلوم أنهم لا يؤمنون فلذلك لم يأت هؤلاء بالآيات المقترحة (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) يا محمد (إِلَّا رِجالاً) هذا جواب لقولهم : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ، والمعنى : لم نرسل قبلك يا محمد إلا رجالا من بني آدم (نُوحِي إِلَيْهِمْ) لا ملائكة لأن الشكل إلى الشكل أميل ، وبه آنس ، وعنه أفهم ، ومن الانفة منه أبعد (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) روي عن علي عليهالسلام أنه قال : نحن أهل الذكر ، وروي ذلك عن أبي جعفر عليهالسلام ، ويعضده أن الله تعالى سمّى النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ذكرا رسولا في قوله : (ذِكْراً رَسُولاً) (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ) أي باقين لا يموتون ؛ هذا ردّ لقولهم : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) ، ومعناه : وما جعلنا الأنبياء قبلك أجسادا لا يأكلون الطعام ولا يموتون حتى يكون أكلك الطعام وشربك وموتك علة في ترك الإيمان بك ، فإنا لم نخرجهم عن حدّ البشرية بالوحي (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) أي صدقناهم الوعد بأن العاقبة الحميدة تكون لهم ، ومعناه : انجزنا ما وعدناهم به من النصر والنجاة والظهور على الأعداء ، وما وعدناهم به من الثواب (فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ) أي فأنجيناهم من أعدائهم وأنجينا معهم من نشاء من المؤمنين بهم (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) على أنفسهم بتكذيبهم الأنبياء قال قتادة : هم المشركون ، وهذا تخويف لكفار مكة. ثم ذكر نعمته عليهم بإنزال القرآن فقال (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ) يا معشر قريش (كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) أي فيه شرفكم ان تمسكتم به ، كقوله : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (أَفَلا تَعْقِلُونَ) معناه : أفلا تتدبرون فتعلمون أن الأمر على ما قلناه. وقيل : هو خطاب للعرب لأنه أنزل القرآن بلغتهم.
١١ ـ ٢٠ ـ ثم بيّن سبحانه ما فعله بالمكذبين فقال : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ) أي أهلكنا عن مجاهد والسدي (كانَتْ ظالِمَةً) أي كافرة ، يعني أهلها (وَأَنْشَأْنا) أي أوجدنا (بَعْدَها) أي بعد اهلاك أهلها (قَوْماً آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا) أي فلما أدركوا بحواسهم (بَأْسَنا) أي عذابنا (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) معناه : إذا هم من القرية أو من العقوبة يهربون سراعا هرب المنهزم من عدوّه (لا تَرْكُضُوا) أي يقال لهم تقريعا وتوبيخا : لا تهربوا (وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ) أي وارجعوا إلى ما نعمتم فيه وإلى مساكنكم التي كفرتم وظلمتم فيها وقيل : انهم لما أخذتهم السيوف انهزموا مسرعين ، فقالت لهم الملائكة بحيث سمعوا النداء : لا تركضوا وارجعوا إلى ما خولتم ونعمتم فيه ، وارجعوا إلى مساكنكم ، وقال ابن قتيبة : معناه : إلى نعمكم التي أترفتكم ومساكنكم (لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) شيئا من دنياكم فإنكم أهل ثروة ونعمة ، يقولون ذلك استهزاء بهم ، هذا قول قتادة وقيل لعلكم تسألون ، أي يسألكم رسولكم أن تؤمنوا كما سئل قبل نزول العذاب لكم ، وهذا استهزاء بهم ايضا ، وقيل : لكي تسألوا عن أعمالكم وعن تنعمكم في الدنيا بغير الحق ، وعما استحققتم به العذاب ، عن الجبائي وأبي مسلم (قالُوا) على سبيل التندم لما رأوا العذاب (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) لأنفسنا حيث كذّبنا رسل ربنا ، والمعنى : انهم اعترفوا بالذنب حين عاينوا العذاب والويل : الوقوع في الهلكة (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) أي لم يزالوا يقولون : يا ويلنا وتلك دعواهم (حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) أي محصودا مقطوعا (خامِدِينَ) ساكني الحركات ميتين كما تخمد النار إذا انطفأت ، والمعنى : استأصلناهم بالعذاب وأهلكناهم (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) بل خلقناهما لغرض صحيح وهو أن يكون دلالة ونعمة وتعريضا للثواب (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) اللهو المرأة عن الحسن ومجاهد وقيل : هو الولد عن ابن عباس وقيل معناه : اللهو الذي هو داعي الهوى ونازع الشهوة ، والمعنى : لو اتخذنا نساء أو ولدا لاتخذناه من أهل