السماء ولم نتخذه من أهل الأرض ، وتأويل الآية : ان النصارى لما قالت في المسيح وأمه ما قالت قال الله عزوجل : لو أردنا أن نتّخذ صاحبة وولدا لاتخذنا ذلك من عندنا ، ولم نتخذ من عندكم ، وانكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده لا عند غيره (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) أي ما كنّا فاعلين (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ) معناه : بل نورد الأدلة القاهرة على الباطل (فَيَدْمَغُهُ) أي يعلوه ويبطله (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) أي هالك مضمحل. عن قتادة وتأويله : ان الله سبحانه يظهر الحق بأدلته ، ويبطل الباطل (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) أي الهلاك لكم يا معشر الكفار مما تصفون الله تعالى به من اتخاذ الصاحبة والولد (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكا وخلقا ؛ وهذا ردّ أيضا على من أثبت له الولد والشريك (وَمَنْ عِنْدَهُ) يعني الملائكة الذين لهم عند الله تعالى المنزلة (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) أي لا يأنفون ولا يترفعون عن عبادته (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) لا يملون ولا ينقطعون (يُسَبِّحُونَ) أي ينزهون الله تعالى عن جميع ما لا يليق بصفاته على الدوام (اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أي في الليل والنهار (لا يَفْتُرُونَ) أي لا يضعفون عنه.
٢١ ـ ٣٠ ـ (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) هذا استفهام معناه الجحد ، أي لم يتخذوا آلهة من الأرض (هُمْ يُنْشِرُونَ) أي يحيون الأموات والمعنى في ذلك : ان هؤلاء إذا كانوا لا يقدرون على الاحياء الذي من قدر عليه قدر على أن ينعم بالنعم التي يستحق بها العبادة فكيف يستحقون العبادة؟ ثم ذكر سبحانه الدلالة على توحيده وأنه لا يجوز أن يكون معه إله سواه فقال : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) ومعناه : لو كان في السماء والأرض آلهة سوى الله لفسدتا وما استقامتا ، وفسد من فيهما ولم ينظم أمرهم. وهذا هو دليل التمانع الذي بنى عليه المتكلمون مسألة التوحيد ، وتقرير ذلك : انه لو كان مع الله سبحانه إله آخر لكانا قديمين ، والقدم من أخص الصفات ، فالإشتراك فيه يوجب التماثل ، فيجب أن يكونا قادرين عالمين حيّين ، ومن حق كل قادرين أن يصح كون أحدهما مريدا لضد ما يريده الآخر من اماتة واحياء أو تحريك وتسكين أو افقار واغناء ونحو ذلك ، فإذا فرضنا ذلك فلا يخلو إما أن يحصل مرادهما وذلك محال ، واما أن لا يحصل مرادهما فينتقض كونهما قادرين ، واما أن يقع مراد أحدهما ولا يقع مراد الآخر فينتقض كون من لم يقع مراده من غير وجه منع معقول قادرا ، فإذا لا يجوز أن يكون الإله إلّا واحدا (فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) وإنما خصّ العرش لأنه أعظم المخلوقات ، ومن قدر على أعظم المخلوقات كان قادرا على ما دونه (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) معناه : ان جميع أفعاله حكمة وصواب ولا يقال للحكيم لم فعلت الصواب؟ (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) وهذا استفهام انكار وتوبيخ أيضا (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أي قل لهم يا محمد : هاتوا حجتكم على صحة ما فعلتموه لأنهم لا يقدرون على ذلك أبدا (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) أي وقل لهم يا محمد : هذا القرآن ذكر من معي بما يلزمهم من الأحكام ، وذكر من قبلي من الأمم من نجا بالإيمان أو هلك بالكفر (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) عن التأمل والتفكر (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (مِنْ رَسُولٍ) أي رسولا (إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ) أي يوحي الله إليه (أَنَّهُ لا إِلهَ) أي لا معبود على الحقيقة (إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) أي فوجهوا العبادة إليّ دون غيري (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) يعني من الملائكة (سُبْحانَهُ) نزّه نفسه عن ذلك لأن اتخاذ الولد اما أن يكون على سبيل التوالد أو على سبيل التبنّي وكلاهما لا يجوز عليه لأن الأول يقتضي أن يكون من قبيل الأجسام والثاني وهو التبني يكون بأن يقيم غير ولده مقام ولده وإذا كان حقيقة الولد مستحيلا منه فالمشبه به كذلك وليس ذلك كالخلة لأنه من الإختصاص