وحقيقته جائزة عليه (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) أي ليسوا أولاد الله كما يزعمون ، بل هم عباد مكرمون ، أكرمهم الله واصطفاهم (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) أي لا يتكلمون إلا بما يأمرهم به ربهم فكل أقوالهم طاعة لربهم ، وناهيك بذلك جلالة قدرهم (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) ومن كان بهذه الصفة لا يوصف بأنه ولده (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي ما قدموا من أعمالهم وما أخّروا منها (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) الله دينه وقال مجاهد : إلّا لمن رضي الله عنه ، وقيل : إنهم أهل شهادة أن لا إله إلا الله ، عن ابن عباس. وقيل : هم المؤمنون المستحقون للثواب وحقيقته أنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله أن يشفع فيه فيكون في معنى قوله (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ) أي من خشيتهم منه (مُشْفِقُونَ) خائفون وجلون من التقصير في عبادته (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) أي من يقل من هؤلاء الملائكة اني إله تحق لي العبادة من دون الله (فَذلِكَ) أي فذلك القائل (نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) يعني ان حالهم مثل حال سائر العبيد في استحقاق الوعيد بالشرط وقيل : إنّه عنى به ابليس ، لأنّه الذي دعا الناس الى عبادته (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) يعني المشركين الذين يصفون الله بما لا يليق به (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) استفهام يراد به التقريع والمعنى : أو لم يعلموا أنه سبحانه الذي يفعل هذه الأشياء ولا يقدر عليها غيره فهو الإله المستحق للعبادة دون غيره (أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) كانت السماء رتقا لا تمطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت ، ففتقنا السماء بالمطر ، والأرض بالنبات ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) أي وأحيينا بالماء الذي ننزله من السماء كل شيء حيّ. وسئل أبو عبد الله عليهالسلام عن طعم الماء فقال : سل تفقها ولا تسأل تعنتا ، طعم الماء طعم الحياة ، قال الله سبحانه : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) أي أفلا يصدّقون بالقرآن وبما يشاهدون من الدليل والبرهان.
٣١ ـ ٣٥ ـ ثم بيّن سبحانه كمال قدرته ، وشمول نعمته بأن قال (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) أي جبالا ثوابت تمنع الأرض من الحركة والإضطراب (أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) أي تتحرك وتميل وتضطرب بهم وقيل لتستقر عن قتادة (وَجَعَلْنا فِيها) أي في الرواسي (فِجاجاً) أي طرقا واسعة بينها ، لولا ذلك لما أمكن أن يهتدوا إلى مقاصدهم في الأسفار. ثم بيّن الفجاج فقال (سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) بها إلى طريق بلادهم ومواطنهم وقيل ليهتدوا بالإعتبار بها إلى دينهم (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) أي رفعنا السماء فوق الخلق كالسقف محفوظا من الشياطين بالشهب التي ترمي بها كما قال : (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) عن الجبائي. وقيل : محفوظا من أن تسقط إلى الأرض كما قال : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) الآية وقيل محفوظا من أن يطمع أحد في أن يتعرض لها بنقض أو أن يلحقها بلى أو هدم على طول الدهر عن الحسن (وَهُمْ عَنْ آياتِها) أي عن الإستدلال بما فيها من دلائل الحدوث والحاجة إلى المحدث (مُعْرِضُونَ) أي أعرضوا عن التفكر فيها (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) أي يجرون وقيل يدورون ، وأراد الشمس والقمر والنجوم لأن قوله الليل يدلّ على النجوم وقال ابن عباس يسبحون بالخير والشر بالشدة والرخاء. وقيل : معناه : انه سبحانه جعل لكل واحد منهما فلكا يدور فيه بسرعة كالسباحة وإنما قال يسبحون لأنه أضاف إليها فعل العقلاء كما قال (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (الْخُلْدَ) أي دوام البقاء في الدنيا (أَفَإِنْ مِتَ) أنت على ما يتوقعونه وينتظرون (فَهُمُ الْخالِدُونَ) أي أفهم يخلدون بعدك؟ يعني مشركي مكّة حين قالوا : نتربص بمحمد ريب المنون. فقال : لئن متّ فإنهم أيضا يموتون ،