فأيّ فائدة لهم في تمنّي موتك (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) أي لا بدّ لكل نفس حيّة بحياة أن يدخل عليها الموت وتخرج عن كونها حيّة (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) أي نعاملكم معاملة المختبر بالفقر والغنى ، وبالضراء والسراء ، وبالشدة والرخاء عن ابن عباس (فِتْنَةً) أي ابتلاء واختبار ، أو شدة تعبد (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) أي إلى حكمنا تردّون للجزاء بالأعمال حسنها وسيئها.
٣٦ ـ ٤٠ ـ ثم خاطب نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال (وَإِذا رَآكَ) أي إذا رآك يا محمد (الَّذِينَ كَفَرُوا) وأنت تعيب آلهتهم وتدعوهم إلى التوحيد (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ) أي ما يتخذونك (إِلَّا هُزُواً) أي سخرية يقول بعضهم لبعض (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) أي يعيب آلهتكم ، وذلك قوله : إنها جماد لا ينفع ولا يضرّ (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ) أي بتوحيده وقيل بكتابه المنزل (هُمْ كافِرُونَ) أي جاحدون. عجب الله سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم منهم حيث جحدوا الحي المنعم القادر العالم الخالق الرزاق ، واتخذوا ما لا ينفع ولا يضرّ ثم ان من دعاهم إلى تركها اتخذوه هزوا وهم أحق بالهزوء عند من يدبّر حالهم (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) قيل فيه قولان (أحدهما) ان المعني بالإنسان آدم ثم أنه قيل في عجل ثلاث تأويلات منها : أنه خلق بعد خلق كل شيء آخر نهار يوم الجمعة وهو آخر أيام السنة على سرعة معاجلا به غروب الشمس عن مجاهد ومنها أن معناه : في سرعة من خلقه لأنه لم يخلقه من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة كما خلق غيره ، وإنما أنشأه إنشاء ، فكأنه سبحانه نبّه بذلك على الآية العجيبة في خلقه ومنها : أن آدم عليهالسلام لما خلق وجعلت الروح في أكثر جسده وثب عجلان مبادرا إلى ثمار الجنة ، وقيل : همّ بالوثوب ، فهذا معنى قوله : من عجل عن ابن عباس والسدي ، وروي ذلك عن أبي عبد الله عليهالسلام والقول الثاني : ان المعني بالإنسان الناس كلهم (سَأُرِيكُمْ آياتِي) الدالة على وحدانيتي ، وعلى صدق محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما يوعدكم به من العذاب (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) في حلول العذاب بكم فإنه سيدرككم (وَيَقُولُونَ) يعني ويقول المشركون للمسلمين (مَتى هذَا الْوَعْدُ) الذي تعدوننا ، يريدون وعد القيامة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي ويقولون : إن كنتم صادقين في هذا الوعد فمتى يكون ذلك. ثم قال سبحانه (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ) أي لو علموا الوقت الذي لا يدفعون فيه عذاب النار عن وجوههم (وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ) يعني أن النار تحيط بهم من جميع جوانبهم (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) وجواب لو محذوف وتقديره لعلموا صدق ما وعدوا به ولما استعجلوا ولا قالوا : (مَتى هذَا الْوَعْدُ). ثم قال (بَلْ تَأْتِيهِمْ) الساعة (بَغْتَةً) أي فجأة (فَتَبْهَتُهُمْ) أي فتحيّرهم (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) أي فلا يقدرون على دفعها (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي لا يؤخرون إلى وقت آخر ولا يمهلون لتوبة أو معذرة.
٤١ ـ ٤٥ ـ لمّا تقدّم ذكر استهزاء الكفار بالنبي والمؤمنين سلّى الله سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم عند ذلك بقوله : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) كما استهزأ هؤلاء (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي حلّ بهم وبال استهزائهم وسخريتهم وقوله منهم يعني من الرسل (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار (مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) أي يحفظكم من بأس الرحمن وعذابه ، وقيل : من عوارض الآفات ، وهو استفهام معناه النفي تقديره : لا حافظ لكم من الرحمن (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) أي بل هم عن كتاب ربّهم معرضون لا يؤمنون به ولا يتفكرون فيه ، وقيل معناه : انهم لا يلتفتون إلى شيء من المواعظ والحجج