ثم قال على وجه التوبيخ لهم والتقريع (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) تقديره : أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم من عذابنا وعقوباتنا وتمّ الكلام ثم وصف آلهتهم بالضعف فقال : (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ) فكيف ينصروهم ، وقيل : معناه ان الكفار لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا يقدرون على دفع ما ينزل بهم عن نفوسهم (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) أي ولا الكفار يجارون من عذابنا عن ابن عباس ، قال ابن قتيبة أي لا يجيرهم منا أحد لأن المجير صاحب الجار ، يقول العرب صحبك الله ، أي حفظك الله وأجارك وقيل : يصحبون أي ينصرون ويحفظون عن مجاهد وقيل : لا يصحبون من الله بخير عن قتادة (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ) في الدنيا بنعمها فلم نعاجلهم بالعقوبة (حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) أي طالت أعمارهم فغرّهم طول العمر وأسباب الدنيا حتى أتوا ما أتوا (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) أي ألم ير هؤلاء الكفار أن الأرض يأتيها أمرنا فننقصها بتخريبها ، وبموت أهلها ، وقيل : بموت العلماء ، وروي ذلك عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : نقصانها ذهاب عالمها وقيل معناه : ننقصها من أطرافها بظهور النبي على من قاتله أرضا فأرضا وقوما قوما فيأخذهم : قراهم وأراضيهم ، عن الحسن وقتادة ومعناه انا ننقصها من جانب المشركين ، ونزيدها في جانب المسلمين (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) أي أفهؤلاء الغالبون أم نحن؟ ومعناه : ليسوا بغالبين ولكنهم المغلوبون ، ورسول الله الغالب ، وقد تقدّم تفسير هذه الآية في سورة الرعد (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) أي قل يا محمد : إنما أنذركم من عذاب الله ، وأخوّفكم بما أوحى الله إليّ (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ) شبّههم بالصم الذين لا يسمعون النداء إذا نودوا لأنّهم لم ينتفعوا بالسمع والمعنى : انهم يستثقلون القرآن وسماعه وذكر الحق فهم في ذلك بمنزلة الأصم الذي لا يسمع (إِذا ما يُنْذَرُونَ) أي يخوفون.
٤٦ ـ ٥٠ ـ لمّا تقدّم الإنذار بالعذاب ذكر عقيبه (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ) أي أصابهم بعض ما يستحقونه من العقوبة (مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أي يدعون بالويل والثبور عند نزوله. ثم قال سبحانه : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) أي نحضر الموازين التي لا جور فيها بل كلها عدل وقسط لأهل يوم القيامة ، وقال قتادة : معناه نضع العدل في المجازاة بالحق لكل أحد على قدر استحقاقه فلا يبخس المثاب بعض ما يستحقه ، ولا يفعل بالمعاقب فوق ما يستحقه (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) أي لا ينقص من احسان محسن ، ولا يزاد في إساءة مسيء (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها) أي جئنا بها والمراد : أحضرناها للمجازاة بها (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) أي عالمين حافظين (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) أي أعطيناهما التوراة يفرّق بين الحق والباطل (وَضِياءً) أي وآتيناهما ضياء وهو من صفة التوراة أيضا مثل قوله : (فِيها هُدىً وَنُورٌ) ، والمعنى : انهم استضاؤوا بها حتى اهتدوا في دينهم (وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) يذكرونه ويعملون بما فيه ، ويتّعظون بمواعظه. ثم وصف المتقين فقال : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أي في حال الخلوة والغيبة عن الناس (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ) أي من القيامة وأهوالها (مُشْفِقُونَ) أي خائفون (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) أراد به القرآن انه ذكر ثابت نافع دائم نفعه إلى يوم القيامة ؛ سمّاه مباركا لوفور فوائده من المواعظ والزواجر والأمثال الداعية إلى مكارم الأخلاق والأفعال. لمّا وصف التوراة أتبعه ذكر القرآن الذي آتاه نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم (أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) استفهام على معنى التوبيخ أي فلماذا تنكرونه وتجحدونه مع كونه معجزا.
٥١ ـ ٦٠ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدّم من قصة موسى وهارون بقصة إبراهيم عليهالسلام فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا) أي