أعطينا (إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) يعني الحجج التي توصله إلى الرشد من معرفة الله وتوحيده (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل موسى (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) انه أهل لإيتاء الرشد ، وصالح للنبوة (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) حين رآهم يعبدون الأصنام (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) والعامل في إذ قوله : آتينا ، أي آتيناك رشدك في ذلك الوقت ، والتمثال : إسم لشيء مصنوع مشبّها بخلق من خلق الله ، وأصله من مثلت الشيء بالشيء إذا شبهته به ، واسم ذلك الممثل تمثال ، وجمعه تماثيل ، وقيل : أنه جعلوها أمثلة لعلمائهم الذين انقرضوا ، وقيل : إنهم جعلوها أمثلة للاجسام ، ما هذه الصور التي أنتم مقيمون على عبادتها. وروى العياشي بإسناده عن الأصبغ بن نباتة : أن عليا عليهالسلام مرّ بقوم يلعبون الشطرنج فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ، لقد عصيتم الله ورسوله (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) فاقتدينا بهم ؛ اعترفوا بالتقليد إذ لم يجدوا حجة لعبادتهم إياها سوى اتباع الآباء (قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي في ذهاب عن الحق ظاهر ، ذمّهم على تقليد الآباء ونسبهم في ذلك إلى الضلال (قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) معناه : أجادّ أنت فيما تقول محقّ عند نفسك أم لاعب مازح؟ وإنما قالوا ذلك لاستبعادهم انكار عبادة الأصنام عليهم إذ ألفوا ذلك واعتادوه (قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) أي بل إلهكم إله السماوات والأرض الذي خلقهنّ وابتدأهنّ فدلّ على الله سبحانه بصنعه (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) ومعنى هذه الشهادة تحقيق الإخبار ، فإبراهيم عليهالسلام شاهد ، ثم أقسم إبراهيم عليهالسلام فقال : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) أي لأدبرن في بابهم تدبيرا خفيا يسوءكم ذلك وقيل إنما قال ذلك في سرّ من قومه ولم يسمع ذلك إلا رجل منهم فأفشاه عن قتادة ومجاهد (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) أي بعد أن تنطلقوا ذاهبين. قالوا : كان لهم في كل سنة مجمع وعيد إذا رجعوا منه دخلوا على الأصنام وسجدوا لها ، فقالوا لإبراهيم عليهالسلام ألا تخرج معنا؟ فخرج فلما كان ببعض الطريق قال أشتكي رجلي وانصرف (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً) أي فجعل أصنامهم قطعا قطعا عن قتادة وقيل : حطاما عن ابن عباس (إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) تركه على حاله ويجوز أن يكون كبيرهم في الخلقة ، ويجوز أن يكون أكبرهم عندهم في التعظيم. قالوا : جعل يكسرهم بفأس في يده حتى لم يبق إلا الصنم الكبير علّق الفأس في عنقه وخرج (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) أي لعلهم يرجعون إلى إبراهيم فيسألونه عن حال الأصنام لينبههم على جهلهم وقيل : لعلّهم يرجعون إلى الكبير يسألونه وهو لا ينطق فيعلمون جهل من اتخذوه إلها ، وفي الكلام هاهنا حذف تقديره : فلما رجع قومه من عيدهم فوجدوا أصنامهم مكسّرة (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) من هذه الموصولة ، استفموا عمن صنع ذلك وأنكروا عليه فعله بقولهم : (إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) إذ فعل ما لم يكن له أن يفعله (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) قالوا : سمعنا فتى يعيب آلهتنا ويقول : انها لا تضرّ ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع ، فهو الذي كسرها.
٦١ ـ ٧٠ ـ ثم ذكر سبحانه ما جرى بين إبراهيم وقومه في أمر الأصنام بقوله : (قالُوا) يعني قوم إبراهيم (فَأْتُوا بِهِ) أي فجيئوا به (عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) أي : بحيث يراه الناس ويكون بمشهد منهم (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) عليه بما قاله ، فيكون ذلك حجّة عليه بما فعل ، عن الحسن وقتادة قالوا : كرهوا أن يأخذوه بغير بيّنة وقيل معناه : لعلّهم يشهدون عقابه وما يصنع به أي يحضرونه عن ابن إسحاق والضحاك (قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ) المعنى : فما جاءوا به قالوا له هذا القول مقررين له على ذلك ، فأجابهم إبراهيم عليهالسلام (قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) انه