مقيّد بقوله : (إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) ، والتقدير : فقد فعله كبيرهم إن نطقوا فاسألوهم ؛ فقد علّق الكلام بشرط لا يوجد فلا يكون كذبا (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) معناه : فرجعوا إلى عقولهم وتدبّروا في ذلك إذ علموا صدق إبراهيم فيما قاله ، وحاروا عن جوابه فأنطقهم الله بالحق تحيّروا وعلموا أنها لا تنطق ، ثم اعترفوا بما هو حجة عليهم (فَقالُوا : إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) إذ تحيّروا وعلموا أنها لا تنطق ، ثم اعترفوا بما هو حجة عليهم فقالوا (لَقَدْ عَلِمْتَ) يا إبراهيم (ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) فكيف نسألهم؟ فأجابهم إبراهيم بعد اعترافهم بالحجة (قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ) أي أفتوجّهون عبادتكم إلى الأصنام التي لا تنفعكم شيئا إن عبدتموها ، ولا تضركم إن تركتموها ، لأنها لو قدرت على نفعكم وضرّكم لدفعت عن أنفسها. ثم قال إبراهيم عليهالسلام مهجنا لأفعالهم ، مستقذرا لها (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) قال الزجاج : معنى أفّ لكم : تبّا لأعمالكم وأفعالكم (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي أفلا تتفكرون بعقولكم في أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة (قالُوا حَرِّقُوهُ) والمعنى : فلما سمعوا منه هذا القول قال بعضهم لبعض : حرّقوه بالنار (وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ) أي وادفعوا عنها وعظّموها (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) أي إن كنتم ناصريها والمعنى : فلا تنصرونها إلا بتحريقه بالنار (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) معناه جعلنا النار بردا عليه وسلامة لا يصيبه من أذاها شيء قال أبو عبد الله عليهالسلام لما أجلس إبراهيم في المنجنيق وأرادوا أن يرموا به في النار أتاه جبرائيل عليهالسلام فقال : السلام عليك يا إبراهيم ورحمة الله وبركاته ألك حاجة فقال : أما إليك فلا ، فلما طرحوه دعا الله فقال : يا الله يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد؟ فحسرت النار عنه وانه لمحتب ومعه جبرائيل عليهالسلام وهما يتحدثان في روضة خضراء. وقيل : إن إبراهيم عليهالسلام ألقي في النار وهو ابن ست عشرة سنة (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) معناه : ان الكفار أرادوا بإبراهيم عليهالسلام كيدا : أي شرّا وتدبيرا في إهلاكه (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) قال ابن عباس هو أن سلّط الله على نمرود وخيله البعوض حتى أخذت لحومهم ، وشربت دماءهم ، ووقعت واحدة في دماغه حتى أهلكته.
٧١ ـ ٧٥ ـ (وَنَجَّيْناهُ) أي من نمرود وكيده (وَلُوطاً) من الهلكة ، وهو ابن أخي إبراهيم فآمن به (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) اختلف فيها فقيل : هي أرض الشام أي نجيناه من كوثى إلى الشام عن قتادة قال : وإنما قال : باركنا فيها لأنها بلاد خصب ، وقيل : إلى أرض بيت المقدس لأن بها مقام الأنبياء عن الجبائي وقيل نجاهما إلى مكة كما قال ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا عن ابن عباس (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) أي وهبنا لإبراهيم إسحاق حين سأل الولد فقال : رب هب لي من الصالحين (وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) قال ابن عباس : وقتادة نافلة راجع إلى يعقوب ، فإنه زاده من غير دعاء فهو نافلة (وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ) أي وجعلنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب صالحين للنبوة والرسالة وقيل : معناه حكمنا بكونهم صالحين وهو غاية ما يوصف به من الثناء الجميل (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) يقتدى بهم في أفعالهم وأقوالهم ، يهدون الخلق إلى طريق الحق وإلى الدين المستقيم (بِأَمْرِنا) فمن اهتدى بهم في أقوالهم وأفعالهم فالنعمة لنا عليه (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ) قال ابن عباس : شرائع النبوة (وَإِقامَ الصَّلاةِ) أي إقامة الصلاة (وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) أي اعطاء الزكاة (وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) أي مخلصين في العبادة (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) ومعناه : وأعطينا لوطا حكمة وعلما وقيل : الحكم النبوة وقيل : هو الفصل بين الخصوم بالحق ، أي جعلناه حاكما وعلّمناه ما يحتاج إلى العلم به (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي