هذا أي أن استحلوا منكم في الشهر الحرام شيئا فاستحلوا منهم مثل ما استحلوا منكم ، وإنما جمع الحرمات لأنه أراد حرمة الشهر ، وحرمة البلد ، وحرمة الإحرام (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) أي ظلمكم (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) أي فجازوه باعتدائه ، وقابلوه بمثله (وَاتَّقُوا اللهَ) فيما أمركم به ونهاكم عنه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) بالنصرة لهم ، وفي الآية دلالة على أنّ من غصب شيئا وأتلفه يلزمه رد مثله.
١٩٥ ـ لما أوجب سبحانه القتال في سبيل الله عقّبه بذكر الإنفاق فيه فقال : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) معناه : وانفقوا من أموالكم في الجهاد وطريق الدين وكل ما أمر الله به من الخير وأبواب البر فهو سبيل الله ، لأن السبيل هو الطريق فسبيل الله الطريق إلى الله ، وإلى رحمة الله وثوابه (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) المراد : ولا تسرفوا في الإنفاق الذي يأتي على النفس (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) يعني المقتصدين.
١٩٦ ـ ثم بيّن سبحانه فرض الحج والعمرة على العباد بعد بيانه فريضة الجهاد فقال : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) أي أتموهما بمناسكهما وحدودهما وتأدية كل ما فيهما وقوله : لله ، أي اقصدوا بهما التقرب إلى الله وقوله : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) معناه : منعكم خوف أو عدوّ أو مرض فامتنعتم لذلك (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فعليكم ما سهل من الهدي ، أو ما تيسّر من الهدي إذا أردتم الإحلال ، والهدي يكون على ثلاثة أنواع : جزور أو بقرة أو شاة وأيسرها شاة (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) أي لا تتحللوا من إحرامكم حتى يبلغ الهدي محله وينحر أو يذبح (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) أي من مرض منكم مرضا يحتاج فيه إلى الحلق للمداواة ، أو تأذى بهوام رأسه أبيح له الحلق بشرط الفدية ، وقوله (فَفِدْيَةٌ) أي فحلق لذلك العذر فعليه فدية ، أي بدل وجزاء يقوم مقام ذلك (مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) ، والمروي عن أئمتنا : أن الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على ست مساكين ، والنسك شاة وهو مخيّر فيها ، وقوله : (فَإِذا أَمِنْتُمْ) معناه : فإذا أمنتم الموانع من العدو والمرض وكل مانع (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فعليه ما تيسر من الهدي (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ) أي فمن لم يجد الهدي ولا ثمنه فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج يوم قبل يوم التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة وقوله : (وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) أي وسبعة أيام إذا رجعتم إلى بلادكم وأهاليكم (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) معناه : كاملة من الهدي ، إذا وقعت بدلا منه استكملت ثوابه.
وقوله : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي ما تقدم ذكره من التمتع بالعمرة إلى الحج ليس لأهل مكة ومن يجري مجراهم ، وإنما هو لمن لم يكن من حاضري مكة وهو من يكون بينه وبينها أكثر من اثني عشر ميلا من كل جانب (وَاتَّقُوا اللهَ) فيما أمركم به ونهاكم عنه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن عصاه.
١٩٧ ـ (الْحَجُ) أي أشهر الحج (أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) أي أشهر موقتة معينة لا يجوز فيها التبديل والتغيير بالتقديم والتأخير اللذين كان يفعلهما النسأة الذين أنزل فيهم : إنما النسيء زيادة في الكفر الآية : وأشهر الحج عندنا : شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وإنما صارت هذه أشهر الحج لأنه لا يصح الإحرام بالحج إلّا فيها بلا خلاف ، وعندنا لا يصح