جميعهم إلى الطاعة والإنقياد فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدّقوا الله ورسوله (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ) أي في الإسلام ، أي دوموا فيما دخلتم فيه (كَافَّةً) أي جميعا ، أي ادخلوا جميعا في الإسلام والطاعة والإستسلام (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي آثاره ونزغاته لأن ترككم شيئا من شرائع الإسلام إتباع للشيطان (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي مظهر للعداوة بقوله : (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً).
٢١٠ ـ ثم عقّب سبحانه ما تقدم من الوعيد بوعيد آخر فقال : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) أي هل ينتظرون هؤلاء المكذبون بآيات الله إلا أن يأتيهم أمر الله أو عذاب الله وما توعدهم به على معصيته في قطع من السحاب وهذا كما يقال : قتل الأمير فلانا وضربه وإن لم يتولّ شيئا من ذلك بنفسه بل فعل بأمره ، فأسند إليه لأمره به ، وإنما ذكر الغمام ليكون أهول ، فإن الأهوال تشبه بظلل الغمام كما قال سبحانه : (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ). قوله : (وَالْمَلائِكَةُ) أي بجلائل آياته وبالملائكة وقوله : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) معناه : فرغ من الأمر وهو المحاسبة ، وإنزال أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي إليه ترد الأمور في سؤاله عنها ، ومجازاته عليها في الحشر لا يملك أحد هناك شيئا.
٢١١ ـ (سَلْ) يا محمد (بَنِي إِسْرائِيلَ) وهم اليهود الذين كانوا حول المدينة والمراد به علماؤهم ، وهو سؤال تقرير لتأكيد الحجة عليهم (كَمْ آتَيْناهُمْ) أي أعطيناهم (مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) من حجة ظاهرة واضحة مثل : اليد البيضاء ، وقلب العصاحية ، وفلق البحر ، وتظليل الغمام عليهم ، وإنزال المنّ والسلوى (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ) تقديره ، فبدّلوا نعمة الله ، وكفروا بآياته ، وخالفوه فضلّوا وأضلّوا (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن عصاه.
٢١٢ ـ ثم بيّن سبحانه أن عدو لهم عن الإيمان إنما هو لإيثارهم الحياة الدنيا فقال : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) الشيطان زيّنها لهم بأن قوّى دواعيهم ، وحسن فعل القبيح والإخلال بالواجب (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) ويهزؤون من المؤمنين لإيمانهم بالبعث وجدّهم في ذلك (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أراد أن حالهم فوق هؤلاء الكفار لأنهم في عليين ، وهؤلاء في سجين (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) إنه يعطي العدد من الشيء لا يضبط بالحساب ، ولا يأتي عليه العدد ، لأن ما يقدر عليه غير متناه ولا محصور.
٢١٣ ـ ثم بيّن سبحانه أحوال من تقدم من الكفار تسلية للنبي فقال : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) أي أهل ملة واحدة ، وعلى دين واحد ، كانوا على الكفر (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) أي أرسل الله النبيين (مُبَشِّرِينَ) لمن أطاعهم بالجنة (وَمُنْذِرِينَ) لمن عصاهم بالنار (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) معناه : أنزل مع بعثهم الكتاب ، إذ الأنبياء لم يكونوا منزلين حتى ينزل الكتاب معهم قوله : (بِالْحَقِ) أي بالصدق والعدل قوله : (لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) الضمير في يحكم يرجع إلى الله ، أي ليحكم الله منزل الكتاب (فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) من الحق قبل إنزال الكتاب وقوله : (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) معناه : وما اختلف في الحق إلا الذين أعطوا العلم به كاليهود فإنهم كتموا صفة النبي بعد ما أعطوا العلم به (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ