الْبَيِّناتُ) أي الأدلة والحجج الواضحة وقيل : معجزات محمد (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي ظلما وحسدا وطلبا للرئاسة وقوله : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) معناه : فهدى الله الذين آمنوا للحق مما اختلفوا فيه بعلمه ، والإذن بمعنى العلم وقيل : إن معنى بإذنه بلطفه (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
٢١٤ ـ ثمّ ذكر سبحانه ما جرى على المؤمنين من الأمم الخالية تسلية لنبيّه ولأصحابه فيما نالهم من المشركين وأمثالهم ، لأن سماع أخبار الخيار الصالحين يرغب في مثل أحوالهم فقال : (أَمْ حَسِبْتُمْ) معناه : أظننتم ، وخلتم أيها المؤمنون (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) معناه : ولمّا تمتحنوا وتبتلوا بمثل ما إمتحنوا به فتصبروا كما صبروا ، وهذه استدعاء إلى الصبر ، وبعده الوعد بالنصر : والمثل الشبه ، أي لم يصبكم شبه الذين خلوا ، أي مضوا قبلكم من النبيين والمؤمنين ثم ذكر سبحانه ما أصاب أولئك فقال : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ) البأساء : القتل ، والضراء : الفقر (وَزُلْزِلُوا) أي حرّكوا بأنواع البلايا ، وأزعجوا بالمخافة من العدو (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) ذكر كلام الرسول والمؤمنين جملة وتفصيلا ، وقال المؤمنون : متى نصر الله؟ وقال الرسول : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ).
٢١٥ ـ (يَسْئَلُونَكَ) يا محمد (ما ذا) أي شيء (يُنْفِقُونَ) والسؤال عن الإنفاق يتضمن السؤال عن المنفق عليه ، فجاء الجواب ببيان كيفية النفقة ، وعلى من ينفق فقال : (قُلْ) يا محمد (ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) أي مال (فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) والمراد بالوالدين : الأب والأم والجد والجدة وإن علوا والمراد بالأقربين أقارب المعطي (وَالْيَتامى) أي كل من لا أب له مع صغره (وَالْمَساكِينِ) الفقراء (وَابْنِ السَّبِيلِ) المنقطع به واختلفوا في هذه النفقة ، فقال الحسن : المراد به نفقة التطوّع على من لا يجوز وضع الزكاة عنده ، والزكاة لمن يجوز وضع الزكاة عنده ، فهي عامة في الزكاة المفروضة وفي التطوع ، وقال السدّي : الآية واردة في الزكاة ثم نسخت ببيان مصارف الزكاة والأول أظهر لأنه لا دليل على نسخها ، واتفق العلماء على أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الأب والأم والجد والجدة وإلى الأولاد (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) أي من عمل صالح يقربكم إلى الله (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) يجازيكم به من غير أن يضيع منه شيء لأنه تعالى لا يخفى عليه شيء.
٢١٦ ـ هذه الآية بيان لكون الجهاد مصلحة لمن أمر به قال سبحانه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) أي فرض عليكم الجهاد في سبيل الله (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) أي شاق عليكم (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) معناه : وقد تكرهون شيئا في الحال وهو خير لكم في عاقبة أموركم ، كما تكرهون القتال لما فيه من المخاطرة بالروح (وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لأن لكم في الجهاد إحدى الحسنيين إما الظفر والغنيمة ، وإما الشهادة والجنة (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) أي وقد تحبون ما هو شر لكم وهو القعود عن الجهاد لمحبة الحياة ، وهو شر لما فيه من الذل في الدنيا ، وحرمان الغنيمة والأجر في العقبى (وَاللهُ يَعْلَمُ) أي يعلم ما فيه مصالحكم ومنافعكم ، وما هو خير لكم في عاقبة أمركم (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك فبادروا إلى ما يأمركم به وإن شقّ عليكم.
٢١٧ ـ (يَسْئَلُونَكَ) يا محمد ، والسائلون أهل الشرك على جهة العيب للمسلمين باستحلالهم القتال في الشهر الحرام