(عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) يعني عن قتال في الشهر الحرام وهو رجب ، سمي بذلك لتحريم القتال فيه ، ولعظم حرمته (قُلْ) يا محمد (قِتالٍ فِيهِ) أي في الشهر الحرام (كَبِيرٌ) أي ذنب عظيم ، ثم استأنفه وقال : (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ) أي والصد عن سبيل الله والكفر بالله (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي والصد عن المسجد الحرام (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ) يعني أهل المسجد وهم المسلمون (مِنْهُ) أي من المسجد (أَكْبَرُ) أي أعظم وزرا (عِنْدَ اللهِ) يعني إخراجهم المسلمين من مكة حين هاجروا إلى المدينة (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) معناه : الفتنة في الدين وهو الكفر أعظم من القتل في الشهر الحرام وقوله تعالى : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ) يعني أهل مكة يقاتلونكم يا معشر المسلمين (حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ) أي يصرفوكم عن دين الإسلام ويلجئوكم إلى الإرتداد (إِنِ اسْتَطاعُوا) أي إن قدروا على ذلك (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) هذا تحذير عن الإرتداد ببيان إستحقاق العذاب عليه (فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) يعني مات على كفره (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) معناه : أنها صارت بمنزلة ما لم يكن (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي دائمون.
٢١٨ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدّقوا الله ورسوله (وَالَّذِينَ هاجَرُوا) أي قطعوا عشائرهم ، وفارقوا منازلهم وتركوا أموالهم (وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي قاتلوا الكفار في طاعة الله التي هي سبيله المشروعة لعباده ، وإنما جمع بين هذه الأشياء لبيان فضلها ، والترغيب فيها (أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) أي يأملون نعمة الله في الدنيا والعقبى ، وهي النصرة في الدنيا ، والمثوبة في العقبى (وَاللهُ غَفُورٌ) يغفر ذنوبهم (رَحِيمٌ) يرحمهم ، وإنما ذكر لفظ الرجاء للمؤمنين وإن كانوا يستحقون الثواب قطعا ويقينا لأنهم لا يدرون ما يكون منهم في المستقبل ، الإقامة على طاعة الله أو الإنقلاب عنها إلى معصية الله ، ووجه آخر : وهو أن يرجو رحمة الله في غفران معاصيهم التي لم يتفق لهم التوبة منها ، واخترموا دونها ، فهم يرجون أن يسقط الله عقابها عنهم تفضلا.
٢١٩ ـ ٢٢٠ ـ ثم عاد سبحانه إلى بيان الشرائع والأحكام فقال : (يَسْئَلُونَكَ) يا محمد (عَنِ الْخَمْرِ) وهي كل شراب مسكر مخالط للعقل ، مغطّ عليه ، وما أسكر كثيره فقليله خمر (وَالْمَيْسِرِ) وهو القمار كله حتى لعب الصبيان بالجوز هو القمار (قُلْ فِيهِما) أي في الخمر والميسر (إِثْمٌ كَبِيرٌ) أي وزر عظيم (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) منفعة الخمر ما كانوا يأخذونه في أثمانها ، ومنفعة القمار : هو أن يفوز الرجل بمال صاحبه من غير كدّ ولا مشقة (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) أي ما فيهما من الإثم أكبر مما فيهما من النفع ، لأن نفعهما في الدنيا وما يحصل من الإثم بهما يوجب سخط الله في الآخرة ، فلا يظهر في جنبه إلا نفع قليل لا بقاء له قال الحسن : في الآية تحريم الخمر من وجهين (أحدهما) قوله : (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ) فإنه إذا زادت مضرة الشيء على منفعته اقتضى العقل الإمتناع منه (والثاني) أنه بين أن فيهما الإثم وقد حرم في آية أخرى الإثم فقال : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ) وقوله (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) أي أيّ شيء ينفقون؟ (قُلِ الْعَفْوَ) إنه ما فضل عن الأهل والعيال من غير إسراف ولا اقتار (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) أي الحجج في أمر النفقة والخمر والميسر وسائر شرائع الإسلام (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) أي لكي تتفكروا (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي في أمر الدنيا وأمر الآخرة فتعلمون أن الدنيا دار بلاء وعناء وفناء ، والآخرة دار جزاء وبقاء فتزهدوا في هذه وترغبوا في تلك (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) قال ابن عباس : لما أنزل الله ولا تقربوا مال اليتيم الآية انطلق كل من كان عنده يتيم فعزل